مع التقدُّم السريع الذي تشهده التكنولوجيا، يجب على المنظمات دعم الموظفين عبر تقديم برامج تدريب فعالة؛ بحيث يكون الهدف منها هو تعزيز مهارات الموظفين في استخدام أحدث التقنيات، وفهم المعلومات الجديدة، ومعالجتها لتطبيقها في المستقبل، ولكن، إذا كان الموظفون يعانون من ضغط العمل أصلاً، فسوف يواجهون صعوبة في تذكر المعلومات الجديدة لفترة طويلة.
وفقاً لمفهوم "منحنى النسيان" (forgetting curve) الذي صاغه عالِم النفس "هيرمان ابنجهاوس" (Hermann Ebbinghaus)، تنخفض قدرة البشر على تذكُّر المعلومات مع مرور الأيام والأسابيع ما لم يحاولوا مراجعتها، ويعتمد تلاشي المعلومات على عدة عوامل مثل: صعوبة المعلومات، ومدى أهميتها بالنسبة إلى المتعلمين، وأسلوب تقديمها، والعوامل الفيزيولوجية مثل: التوتر والنوم.
إذاً، ما هي الاستراتيجيات والحلول التي يمكن استخدامها لضمان تذكُّر الموظفين المحتوى التعليمي الذي تقدمه لهم في الدورات التدريبية؟
تذكُّر المعلومات
تذكُّر المعلومات: هو قدرة المرء على نقل معلومات جديدة إلى الذاكرة طويلة الأمد بحيث يسهل عليه تذكرها واستخدامها في المستقبل.
4 عوامل لتذكر المعلومات
1. الاهتمام والدافع
إنَّ اهتمام المتدربين ببرنامج التدريب هو أمر هام جداً؛ فحين يكونون مندفعين للتعلم، غالباً سيتذكرون المعلومات لفترة طويلة؛ لأنَّ العقل يركز أكثر على المسائل الذي تثير اهتمام المتعلم.
على سبيل المثال: دافع مندوبو المبيعات لتعلم نظام إدارة علاقات العملاء (CRM) أقوى من دافعهم لتعلم أدوات أتمتة التسويق، وإذا ما تلقوا تدريباً عن كلا الموضوعين، فمن المرجح أن يتذكروا المعلومات المرتبطة بإدارة علاقات العملاء لفترة أطول مقارنة بالمعلومات المرتبطة بأدوات الأتمتة.
2. التكرار
يؤدي تكرار مواد التعلم دوراً محورياً في تذكر المعلومات؛ فكلما كرر المتعلمون مهمة ما أو مارسوها، ازداد احتمال تذكُّرها لفترة أطول، على سبيل المثال: يجد معظم الأطفال صعوبة في تعلم جدول الضرب؛ ولهذا يُنصَح بكتابته وإلصاقه على لوحة لمراجعتها وتكرارها طوال اليوم.
3. ربط المعلومات
يساعد الانتباه لمعنى المحتوى وأهميته أو ربطه بسيناريوهات من الحياة الواقعية على التعلم بسرعة وتذكُّر المعلومات لفترة أطول.
4. استخدام وسائط متعددة
يفضِّل المتعلمون أساليب تعلم مختلفة؛ فبعضهم يتعلم بصرياً، وبعضهم يحتاج إلى تلقي تدريب عملي، بينما يحتاج بعضهم الآخر إلى مدرب لتوجيههم؛ لذا من الهام اختيار أسلوب التعلم المناسب لتعزيز تذكُّر المعلومات.
هرم تذكُّر المعلومات
طوَّر "مختبر التدريب الوطني" (National Training Laboratory) "هرم التعلم" (learning pyramid) خلال الستينيات من القرن الماضي؛ فهو نموذج نظري يوضِّح أساليب التعلم المختلفة، إضافة إلى النسبة المتوقعة لتذكُّر المعلومات؛ إذ يوضح الهرم مدى قدرة الفرد على تذكُّر معلومات باستخدام تقنيات مختلفة مثل: الإصغاء إلى المحاضرات، أو قراءة الكتب، أو مشاهدة مقاطع الفيديو، وما إلى ذلك.
عناصر هرم التعلم
1. المحاضرات
وفقاً لهرم التعلم، تُعد المحاضرات من أكثر الأساليب غير الفعالة في التعلم وتذكر المعلومات؛ فهي شكل سلبي من أشكال التعلم؛ لأنَّ المتعلمون يكتفون بالاستماع إلى المعلومات التي يلقيها المدرب.
2. القراءة
بالمقارنة مع المحاضرات، تُعد القراءة أكثر فاعلية قليلاً في تذكُّر المعلومات؛ فهي وسيلة أفضل؛ لأنَّها تزود المتعلمين بمرجع لمراجعة المعلومات.
3. الأسلوب السمعي والبصري
يسهل على المتعلمين فهم المعلومات التي تُقدَّم باستخدام الأسلوب السمعي والبصري؛ إذ يُعد تعلم مهارة جديدة عبر مشاهدة مقطع فيديو سريع أفضل من قراءة نصوص طويلة، إضافة إلى أنَّ ذلك يوفر الوقت.
4. التمثيل
يوضح المدرب أو المنتور للمتعلمين من خلال الأسلوب هذا كيفية أداء مهمة ما عبر توجيههم خطوة بخطوة؛ فيمكن تقديم المعلومات بصورة أوضح من أساليب الدراسة السلبية، ويساعد على فهم التفاصيل المعقدة وتذكُّرها بصورة أفضل.
5. المناقشات
توفر المناقشات بيئة تعلم تعاونية، وتؤدي إلى زيادة نسبة تذكُّر المعلومات؛ فتحفز المتعلمين على التفكير، وتزيد من المشاركة والاندماج.
6. الممارسة عبر التطبيق العملي
يُعد الحصول على الخبرة العملية من أكثر أساليب التعلم فاعلية؛ فيتيح للمتعلمين تطبيق معلوماتهم في مواقف يومية، وهذا يساعدهم على تذكُّر المعلومات على الأمد الطويل، وفقاً لنموذج "70-20-10"، فإنَّ 70% من التعلم ناتج عن تجارب الموظفين.
7. تعليم الآخرين
وفقاً لهرم التعلم، فإنَّ تعليم الآخرين هو أكثر أسلوب فعال لإتقان موضوع ما وتذكُّر المعلومات لفترة طويلة؛ فإذا كان بإمكان الفرد تدريس موضوع ما بدقة للآخرين، فمعنى ذلك أنَّه يتقن المفاهيم ويتذكر المعلومات بصورة أفضل.
استراتيجيات لتحسين تذكر المعلومات
سنتحدَّث في هذا الجزء من المقال عن 3 استراتيجيات لتذكُّر المعلومات، ثم نستكمل الحديث عن 9 استراتيجيات أخرى في الجزء الثاني والأخير منه:
1. التعلم المتباعد (Spaced learning)
التعلم المتباعد هو استراتيجية فعالة لتذكُّر المعلومات تساعد المتدربين على التعلم بسرعة وكفاءة إلى جانب انخفاض نسبة نسيان المعلومات الذي يحدث عند تعلم الشيء، وتتمحور هذه الإستراتيجية على فكرة أنَّ التعلم يترسخ في الذهن عند تكرار المعلومات على فترات متباعدة.
لتطبيق استراتيجية التعلم المتباعد في التدريب الذي تقدمه الشركات، يجب تقسيم برامج تدريب الموظفين التي تمتد لفترة طويلة إلى عدة جلسات أو وحدات قصيرة على فترات متباعدة؛ لذا أعِد شرح بعض المعلومات التي وردت في الجلسات السابقة عدة مرات خلال الأيام أو الأسابيع القادمة كي يتمكن المتعلمون من تذكُّرها على الأمد الطويل.
2. التعلم المدمَج (Blended learning)
يجمع التعلم المدمج بين أفضل أسلوبين للتدريب، وهما التعلم التقليدي وجهاً لوجه والتعلم الإلكتروني، وذلك لمساعدة المتعلمين على تذكُّر المعلومات؛ إذ تتيح برامج التعلم المدمج إمكانية الوصول إلى موارد التدريب عبر الإنترنت ودون الاتصال به، وتسهم في إدماج جميع أنواع المتعلمين، سواء الذين يفضلون التعلم في الصفوف الدراسية التقليدية، أم أولئك الذين يفضلون التدريب شبه المستقل عبر الكمبيوتر.
يضمن استخدام التعلم المدمج في برامج التدريب في الشركات مراعاة جميع الموظفين، سواء أكانوا يفضلون التعلم بصرياً أم سمعياً أم حركياً، وهذا يسهم في تذكُّر المعلومات لفترة أطول من النهج التقليدي.
3. التعلم المصغر (Microlearning)
التعلم المصغر: هو تقسيم محتوى التعلم إلى معلومات صغيرة؛ فيساعد التعلم المصغر على تذكر المعلومات؛ لأنَّ تذكر المفاهيم التي تُقدَّم في وحدة تعلم مدتها 10 دقائق يومياً أسهل من تذكرها عند مشاهدة ندوة عبر الإنترنت مدتها ساعة أو حضور دورة تدريبية شاملة طويلة في جلسة واحدة.
نظراً لانخفاض مدة انتباه الموظفين من جيل الألفية والتشتت المستمر الذي يواجهه الموظفون في أثناء العمل من المنزل، يجب على المدربين في الشركات استخدام التعلم المصغر في برامج التدريب عبر الإنترنت لضمان اندماج الموظفين في التدريب، ولن يرتبك المتعلمون باستخدام هذا النهج بسبب عدم تقديم كثير من المعلومات في وقت واحد، الأمر الذي يساعد على تذكُّر المعلومات أكثر.
في الختام
لقد تحدَّثنا في الجزء الأول من مقالنا هذه عن مفهوم تذكُّر المعلومات، و4 عوامل تسهم في التذكُّر، وهرم تذكُّر المعلومات، و3 استراتيجيات لتحسين تذكُّر المعلومات، وسنكمل الحديث في الجزء الثاني والأخير منه عن 8 استراتيجيات أخرى.