لا تزال مسألة التركيز على تعزيز نقاط القوة أو معالجة نقاط الضعف موضع جدل كبير في مجال الكوتشينغ القيادي الذي يشهد تطوراً مستمراً، وقد كشفت أبحاث حديثة عن أنماط مثيرة للاهتمام في ممارسات الكوتشينغ تختلف باختلاف المناطق، وتتأثر في الغالب بالسياقات الثقافية، ومن اللافت أنَّ التوجه العام، لا سيما على مستوى المناصب التنفيذية، ينمِّي نقاط القوة.

يبحث المقال في الأسباب الكامنة وراء هذا التوجه، ويستعرض تأثير التركيز في نقاط القوة أو الضعف، ويقدِّم رؤى حول كيفية تحقيق توازن فعال بين المنهجين.

هيمنة نموذج الكوتشينغ المعتمد على نقاط القوة

يركِّز الكوتشز، لا سيما أولئك الذين يوظِّفون مع المديرين التنفيذيين نقاط القوة، ويُعزى هذا التوجه إلى سببين أساسيين:

  1. يتمتع كثير من الكوتشز بنزعة تفاؤلية، ويجدون في العمل ضمن إطار نقاط القوة ما ينسجم مع هذا التوجه الإيجابي. غالباً ما يكون لهذا التفاؤل أثر مُعدٍ؛ لأنَّه يُضفي على جلسات الكوتشينغ طابعاً محفزاً.
  2. يُطلَب من الكوتشز تحقيق نتائج قابلة للقياس، وإنَّ التركيز على مكامن القوة يسرِّع العملية ويؤدي إلى تحسينات ملحوظة، ما يُرضي العملاء ويبرر الاستثمار في خدمات الكوتشينغ.

يعزز الكوتشينغ الذي يركز على نقاط القوة قدرات القادة، مما يساعدهم على ترسيخ أدائهم وتحقيق النتائج المطلوبة بكفاءة.

التعامل مع نقاط الضعف: رؤية موازية

على الرغم من الاهتمام الكبير بالكوتشينغ المرتكز على نقاط القوة، إلَّا أنَّ ثمة وجهة نظر قوية تدعو إلى ضرورة معالجة نقاط الضعف. يناقش الكاتب "مارشال غولدسميث" (Marshall Goldsmith) هذا الرأي في كتابه: "ما أوصلك إلى هنا لن يوصلك إلى هناك" (What Got You Here Won’t Get You There) بقوله:

"قد لا تكفي نقاط القوة التي أوصلت المرء إلى ما هو عليه الآن لتحقيق التقدم الذي يطمح إليه؛ بل إنَّ الإفراط في الاعتماد عليها، قد يؤدي إلى الركود أو إغفال نقاط الضعف الحرجة".

في بيئة الأعمال، غالباً ما يكون هناك تحفُّظ في استخدام مصطلح "نقاط الضعف"، ويُستعاض عنه بتعابير، مثل: "مجالات التطوير" أو "احتياجات التعلم"، ولكن بصرف النظر عن التسمية، تبقى الحقيقة أنَّ الأفراد غالباً ما يدركون وجود جوانب في أدائهم تحتاج إلى تحسين جذري، وأنَّ تجاهلها أو تلطيفها بلغة منمَّقة قد يعوق النمو الشخصي ويضعف فعالية المؤسسة.

الكوتشينغ القيادي

الموازنة بين نقاط القوة والضعف في الكوتشينغ

لا ينبغي أن يركز الكوتشينغ على جانب معيَّن دون الآخر؛ إذ إنَّ الأفراد الذين يخوضون تجارب الكوتشينغ، هم الأقدر على تحديد ما يحتاجون إليه لتجاوز التحديات وتحقيق أهدافهم، سواء أكان ذلك من خلال معالجة ضعف واضح، أم من خلال صقل مهارة ما.

يعزز التركيز على نقاط القوة الثقة بالنفس ويشجع الابتكار، لكنَّ تجاهل الضعف، خصيصاً حين يعوق الأداء العام أو يؤثر في علاقات الفريق، قد يكون مكلفاً؛ لذا يجب أن يقوم الكوتشينغ الفعال على تقييم متكامل لمواطن القوة والضعف على حد سواء، ووضع خطة مصممة بعناية لمعالجة الجانبين بتوازن.

التأثيرات الثقافية والإقليمية

لا يجب إغفال تأثير الاختلافات الثقافية والإقليمية في ممارسات الكوتشينغ، ففي بعض الثقافات، يتوافق التركيز على نقاط القوة مع القيم المجتمعية التي تُعلي من شأن الإيجابية والتحفيز، أمَّا في ثقافات أخرى، فيُعد التركيز على التحديات وتجاوز نقاط الضعف أكثر أهمية.

مثلاً: تسود في الولايات المتحدة ثقافة كوتشينغ تُركز على تنمية نقاط القوة، متأثرة بقِيَم الفردانية والإنجاز الشخصي، وفي المقابل، تُعطي بعض الثقافات الآسيوية أولوية أكبر لتحسين الأداء الجماعي ومعالجة نقاط الضعف، بما يعكس تقديرها للتناغم والتطور المتواصل.

الفرق بين الكوتشز الداخليين والخارجيين

تختلف أيضاً مقاربات التعامل مع نقاط القوة والضعف وفق ما إذا كان الكوتش داخلياً أو خارجياً، فالكوتشز الداخليون، بحكم معرفتهم العميقة بثقافة المؤسسة وأهدافها على الأمد الطويل، غالباً ما يعالجون نقاط الضعف التي تقوِّض أداء الفِرَق وانسجامها، فهم يملكون الوقت والفرصة لملاحظة هذه المسائل ومعالجتها تدريجياً.

أما الكوتشز الخارجيون، فيُقدمون منظوراً جديداً، ويركزون عادة على نقاط القوة لتحقيق نتائج سريعة وملموسة، كما أنَّ بُعدهم عن التفاصيل اليومية للفِرَق يُمكِّنهم من اكتشاف نقاط الضعف التي قد لا يراها الكوتش الداخلي بسبب الألفة بينهم.

نصائح عملية لتحقيق التوازن في الكوتشينغ

  • أجرِ تقييماً شاملاً لنقاط القوة والضعف، باستخدام أدوات، مثل تقييم 360 درجة.
  • ضَع أهدافاً واضحة تجمع بين تطوير المهارات الحالية ومعالجة الجوانب التي تحتاج إلى تحسين.
  • اعتمِد نهجاً مخصصاً يناسب كل فرد وفق احتياجاته وخلفيته الثقافية والتنظيمية.
  • قدِّم التغذية الراجعة دورياً لتسليط الضوء على التقدم في الجانبين.
  • شجِّع الكوتشز على التأمل الذاتي وفهم كيفية تأثير جوانب قوتهم وضعفهم في أدائهم ونموهم المهني.

في الختام

لا يقتصر هدف الكوتشينغ على تطوير نقاط القوة فقط؛ بل يتجاوز التحديات التي تعوق الإمكانات الكاملة للفرد، فالتنمية الشاملة لا تتحقق إلَّا بالتوازن بين استثمار القدرات ومعالجة جوانب القصور.