لم يَعُد استخدام الأساليب القديمة لتدريب المتعلمين المعاصرين في عصر التعلم السريع مجدياً؛ بل يجب إحداث نقلة نوعية في النهج المتَّبَع؛ لذلك، سنتحدث في هذه المقالة عن تنسيقات المحتوى الحديثة واستراتيجيات تقديم التدريب بكفاءة.

كيف يحب متعلمي العصر الحديث أن يتعلموا؟

غيَّر المتعلمون المعاصرون طريقة تعلُّمهم بشكل جذري، بدءاً من المهارات الناعمة والتدريب التقني، ووصولاً إلى التعلم في أثناء العمل وتدريب الامتثال . وأصبح التعلم اليوم ذاتياً وسريع الوتيرة وأكثر تكراراً وقدرةً على التكيف مقارنةً بالسنوات الماضية.

  • يستخدم المتعلمون البالغون اليوم مجموعةً متنوعةً أكثر ثراءً نسبياً من الوسائط للتعلم، كمقاطع الفيديو والتدوينات الصوتية والألعاب ومنصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية.
  • يستخدمون أيضاً مجموعةً متنوعةً من الأجهزة للتعلم، كأجهزة الكمبيوتر الشخصية والمحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية.
  • يتعلمون في أثناء التنقل، ويتلقون محتوى التعلم عندما يكون لديهم الوقت والفرصة لذلك.
  • علاوة على ذلك، يُفضِّلون التعلم على دفعات وعند الحاجة، مما يجعل التعلم المصغَّر والتعلم في الوقت المناسب أكثر انتشاراً مما كان عليه في السنوات السابقة.

لماذا من الضروري تكييف استراتيجية تقديم التدريب الخاص بك لتلائم احتياجات المتعلم المعاصِر؟

يعني التعلم عن بُعْد وتغيير المعايير الاجتماعية وديناميكيات القوى العاملة المتطورة تغييراً في واقع مكان العمل، وأصبح الموظفون أكثر قدرةً على الانتقال من العمل من أي وقت مضى، وولاؤهم لأنفسهم وعائلاتهم يفوق ولاءهم لأرباب العمل، فإذا شعروا بأنَّهم غير سعيدين في عملهم، فمن المرجح أن ينتقلوا؛ فالمعيار الرئيس لتحقيق الرضا الوظيفي هو التدريب ومحتوى التدريب الذي يمكِنهم الوصول إليه، كما أنَّ الموظف الذي يشعر بالرضا يكون أكثر إنتاجيةً في فريقك؛ إذ يُقدِّر المتعلم المعاصر أهمية التدريب المهني كوسيلة لتحقيق النجاح في مكان العمل.

  • يُظهر البحث الذي أجراه معهد "آي-بي-إم" (IBM) لقيمة الأعمال (IBV) أنَّ الشركات التي تُوفر للموظفين التدريب الذي يحتاجون إليه قادرة على الاحتفاظ بـ 62% من القوة العاملة.
  • كما أنَّ تكييف محتوى التدريب الخاص بك وتقديمه ليتناسب مع احتياجات المتعلم المعاصر يوفر أيضاً أرباحاً ماليةً استثنائيةً؛ إذ تُظهر الأبحاث أنَّ التكلفة الإجمالية لاستبدال الموظفين المغادرين يمكِن أن تتجاوز 200% من رواتبهم السنوية.

مع وجود كل هذا على المحك، فمن المنطقي تكييف استراتيجية تقديم التدريب في شركتك لتلائم احتياجات القوى العاملة لديك.

إشراك المتعلمين المعاصرين في الأماكن التي يكونون فيها كثيراً على أجهزتهم المحمولة

يجعل انتشار الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة الأخرى هذه الأجهزة أداةً تعليميةً مثاليةً يجب أن تستثمرها فِرَق التعلم والتطوير (L&D)؛ فالمتعلم المعاصر اجتماعي أكثر من المتعلمين في السابق، ويختار "قضاء الوقت" مع أقرانه وزملائه باستخدام أجهزتهم المحمولة، وهنا تكمن فرصة التدريب الهادف لمساعدة هؤلاء المتعلمين بشكل أفضل؛ إذ يجب على الشركات استخدام محتوى تدريب مُصمَّم بشكل مناسب لدعم التعلم المتنقل (أو التعلم عبر الهاتف المحمول).

لماذا يُعَدُّ التعلم المتنقل (M-learning) استراتيجيةً يجب استخدامها مع متعلمي اليوم إذاً؟

  • يُفضِّل متعلمو اليوم "جذب" تعلُّمهم إليهم بدلاً من أن "يدفعه" شخص ما إليهم.
  • يتوقعون عادةً أن يتزامن تدريب الشركة وفقاً لأنماط حياتهم المزدحمة، بدلاً من مزامنة أنماط حياتهم وفقاً للتدريب؛ حيث سيتعلمون بذلك عند إرسال رسائل نصية إلى زملائهم في العمل وأصدقائهم، أو الاتصال عبر الفيديو، أو الدخول في منتديات المناقشة، أو عند الدردشة والتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.
  • يحب المتعلمون المعاصرون السيطرة على ما يتعلمونه والفترات التي يتعلمون فيها والمدة التي يقضونها في التعلم.
  • الشعور بمتعة التدريب الفوري هو سمة مميَّزة للمتعلم المعاصر الذي يريد دائماً التعلم عند حاجته إلى ذلك.
  • كما يريد التعلم متى وأينما كانت هناك حاجة لذلك سواء في مكتبه، أم عند محاولة حل مشكلة، أم في المنزل، أم عند العمل عن بُعْد على مشروع ما.

لذلك، فإنَّ استراتيجية التعلم المتنقل المدروسة جيداً والتي تعزز هذه الأمور الدقيقة للمتعلم المعاصر من خلال استخدام محتوى التدريب وأساليب الإعطاء المخصَّصة لاحتياجات كل متعلم متنقل أمر ضروري جداً.

ولكن ما الذي تحصل عليه المؤسسة من تبنِّي التعلم المتنقل؟ يؤدي الاستثمار في التدريب إلى تحقيق عائد استثمار استثنائي؛ ففي مقابل منح المتعلمين في مكان العمل الحديث ما يريدونه من خلال التعلم الذكي، تستفيد المؤسسات من النسبة العالية لإكمال التدريب، ونقل المعرفة بشكل أفضل، وزيادة الكفاءة والإنتاجية في مكان العمل، والاحتفاظ بالموظفين على الأمد الطويل.

ما هي استراتيجيات تقديم التدريب وتنسيقات المحتوى التي يجب أن تستثمر فيها؟

إذا كنتَ تُخطط للاستثمار في تحسين برامج التدريب الخاصة بشركتك وترقيتها في المستقبل القريب، فإليك بعض استراتيجيات التدريب وتنسيقات المحتوى التي تستحق الاستثمار فيها:

التعلم خلال العمل

  • التعلم المصغَّر: يهدف إلى توفير دروس صغيرة للمتعلم المعاصر، ودورات قصيرة يسهل عليه دراستها على الأجهزة المحمولة ومحتوى إضافي لتكملة التدريب الرسمي.
  • تطبيقات التعلم: تُقدِّم تعلُّماً مرناً في أي وقت وفي أي مكان، ويمكِن أن تساعد الموظفين في عملهم عند الطلب أو عند الحاجة.
  • التعلم الشخصي : يستفيد مما يُفضِّله المتعلم لتقديم محتوى تعليمي شخصي بشكل فريد.
  • التعلم في الوقت المناسب: يهدف إلى تقديم التعلم عند الطلب ودعم الموظفين بالوسائل المساعدة على العمل وأدوات دعم الأداء.

خلق تجارب تعلُّم ناجحة

 

  • التعلم باللعب: يستخدم أساليب تقديم التدريب الغنية بالمرح واللعب لتعليم المهارات التعاونية وتعزيز القدرة التنافسية والسماح بإجراء التجارب.
  • مقاطع الفيديو التفاعلية: بما في ذلك المقاطع التي يكون محتواها يهدف إلى توضيح طريقة فعل شيء ما أو تجربة أمر ما، فهي تُعزز مشاركة المتعلم بشكل أكبر.
  • التعلم القائم على السيناريو: والذي يسمح للمتعلمين باستكشاف مسارات تعلُّم متعددة في بيئة آمنة.
  • استراتيجيات الجيل القادم: مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR).

 

التعلم التعاوني

 

  • التعلم الاجتماعي: عبر المشاريع الجماعية وأشكال التعاون.
  • منتديات المناقشة: من خلال مجموعات الدردشة ومنصات الرسائل النصية.
  • تنظيم المحتوى: من خلال إتاحة مكتبات منسَّقة لمحتوى التدريب يمكِن للمتعلمين استكشافها، بما في ذلك مواقع "ويكي" (Wiki) التي يقودها المتعلم.

 

الواقع الجديد للتعلم في مكان العمل

يتبع المتعلمون البالغون اليوم أساليب مختلفة تماماً عن الأساليب التي اتبعها أسلافهم منذ نصف عقد من الزمان، حيث يشعر الموظفون بالتمكين نتيجة لمحتوى التدريب الذي يتلقونه وفقاً لشروطهم الخاصة، كما دفعَت هذه التوجهات المتغيرة أرباب العمل إلى النظر إلى التدريب من منظور جديد تماماً.

أدى تنقُّل القوى العاملة وانتشار ثقافة التعلم المستمر إلى إنتاج نماذج تعلُّم جديدة مدعومة باستراتيجيات تقديم التدريب المتطورة وأشكال المحتوى الجديدة. نأمل أن تُقدِّم هذه المقالة النصائح المطلوبة التي تساعد على تبنِّي استراتيجيات وتنسيقات تقديم التدريب الجديدة التي ستُحقق أرباحاً ضخمة لكل من الموظفين وأصحاب العمل على حدٍ سواء.