أغلب الأنشطة الانسانية التي نقوم بها تتضمن تواصلاً مع آخرين: مع الأب مع الأم مع الأولاد مع رب العمل مع المرؤوسين مع أي آخر... وكلما كان تواصلنا جيداً مع الآخرين كلما كانت النتائج التي نحصل عليها في هذه الأنشطة أفضل... والعكس صحيح. أين تكمن مشكلة التواصل الأولى؟   

إن كلمة يتواصل (كوميونيكيت communicate) أصلها من الفعل باللاتينية (كوميونيكاري communicare) والتي تعني "عمل شيء مشترك بين عدة أشخاص، المشاركة، النقل، التوزع". إن مفهوم المشاركة هذا هام في فهم التواصل ويدخل ضمن تعريفنا لهذا المصطلح. وببساطة يمكن القول أنه عندما تتواصل فإنك تتشارك أو تعبّر عن معرفتك وأفكارك مع شخص آخر.

بإمكانك أن تفهم التواصل على النحو الأفضل عندما تنظر إليه كعملية وكناتج، بعض المثقّفين يعتقدون أن التواصل هو بالأساس عملية، فعلى سبيل المثال، ثوماسسكيديل يقدّم منظور عملية عندما يعرّف التواصل على أنه "إرسال واستقبال تلميحات رمزية". مثقّفون آخرون يرون التواصل كحصيلة أو ناتج ويعرّفونه ببساطة كمشاركة في المعنى. وتستطيع أن ترى أن كلا المنظورين يقدّمان تبصّراً في مفهوم التواصل. فالتواصل إذن هو المشاركة في المعنى بإرسال واستقبال تلميحات رمزية.

بإمكانك أن تفهم كيفية المشاركة في المعنى بدراسة الشكل المرفق، مثلث المعنى لشارلز أوغدن واي.آ. ريتشارد. إن هذا الشكل يوضّح العناصر الثلاثة اللازمة لتواصل أي شخص. هذه العناصر هي المفسِّر والرمز والمُشار إليه (المعني أو المقصود)، إن كلمة المفسِّر تشير إلى كل من مرسِل ومستقبِل الرسالة، والمفسِّر ببساطة هو الشخص الذي يقوم بالتواصل، بالكلمات أو رموز أخرى.

والعنصر الثاني في هذا النموذج الرمز: هو أي شيء يقرنه الناس أو يحددونه بمعنى، والرموز يمكن أن تكون صوراً أو رسومات أو أغراض، فنحن نعلم على سبيل المثال أن لوحة في مطار تظهر شوكة وملعقة وكأس وسهم تعني أنه بإمكاننا أن نجد مطعم أو مشرب في الاتجاه الذي يشير إليه السهم، ولباس ضابط الشرطة وسيارة الدورية هما رمزان لقوى الأمن، وأكثر الرموز المألوفة هي كلمات بلغة خاصة، والكثير من الكلمات تشير إلى أغراض خاصة وأماكن وأشخاص: كرسي، شاطئ، سيارة، باص... على سبيل المثال. بعض الكلمات تشير إلى مفاهيم مثل حرية التعبير والوجودية واللعب النظيف.

والعنصر الثالث والأخير في مثلث المعنى هو المُشار إليه (المعني أو المقصود) وهو الشيء أو الفكرة التي يمثلها الرمز. إن مرسل ومستقبل الرسالة يشيران إلى شيء ما بواسطة الرموز المستخدمة. والشيء المشار إليه يعتمد على معرفة كل فرد وخبرته. فالناس لا يستطيعون تبادل ما يشيرون إليه بالطريقة التي يتبادلون بها الأغراض. فعلى سبيل المثال يمكن لأحدهم أن يعطيك بيدك شكّالة ورق، وهذه الشكّالة تكون في يدك تماماً كما هي في يد صديقك، إلا أن أصدقاءك لا يستطيعون أن ينقلوا أفكارهم أو معلوماتهم إليك بنفس الطريقة. وإن كل ما بإمكانهم أن يعملوه هو أن يضعوا أفكارهم في رموز ويأملوا منك أن تفك هذه الرموز. والأفكار التي تتلقاها تكون مشابهة لتلك التي قصدوها. باختصار، كمُرسلين نختار نحن رمزاً يعتمد على ما نود الإشارة إليه، وذلك الرمز بدوره يطلَق نحو المتلقي. للتأكد من فهمك عملية تداخل المفسِّر مع الرمز مع المشار إليه، تمعّن بهذا الحادث الذي اختبره أحدنا.

سأل أب ابنه بشكل عرضي في إحدى الأمسيات " كيف تسير أمورك مع الوظائف المنزلية؟ " قال الولد والذي كان طالباً في الصف السابع ويدرس الكومبيوتر للمرة الأولى "يتوجب على تلخيص بعض المقالات عن الكومبيوتر. لدي ثلاثة وأحتاج إلى أربعة. "قال الأب والذي كان في ذهنه الذهاب إلى مكتبة في وقت لاحق من تلك الليلة "حسناً سأشتري لك مجلة كومبيوتر جديدة. "إلا أنه في الصباح التالي، عندما أراه والده المجلة فيها مقالة عن الكومبيوتر، سأل الولد "أين هي الثلاثة الأخرى؟ قلت لك أنني أحتاج إلى أربعة!!"

 

من الواضح أن المفسّرين في هذه الحالة، الولد ووالده، قد وقعا في مشكلة تواصل في التركيز على الرموز "لدي ثلاثة وأحتاج إلى أربعة. "إن المشار إليه أو المعني من قبل الولد أي الفكرة التي كانت في ذهنه هي "لدي ثلاث مقالات وأحتاج إلى أربعة أخرى". أما المعني (المفهوم) من قبل الوالد فكان "لديه ثلاثة من المقالات الأربعة التي يحتاجها."

كما يظهر في هذا المثال، يكون التواصل ناجحاً فقط عندما يربط المفسّرون المعنيون مع الرسالة التي يتواصلون بها دلالات متشابهة. بإمكانك دون شك أن تفكر بتجارب مشابهة مررت بها عندما أساء البعض تفسير ما كنت تقوله لأنهم اتجهوا نحو مدلول مختلف لكلماتك. إن أهم شيء يجب تذكره حول مثلث المعنى وعملية التواصل هو: إن الكلمات والرموز الأخرى ليس لها معنى ملازم معها، الناس لديهم المعنى وليس الكلمات. فالكلمة تأخذ المعنى الذي يربطه المُفسر بها.

ما هي علاقة مثلث المعنى مع الإلقاء؟ ينطبق هذا النموذج على الخطابة والإلقاء كما هو الحال عليه في كل أشكال التواصل الأخرى. إذا ما استعمل كل من المتكلم والمستمع رموز محددة على الدوام وفسروها بشكل موضوعي وربطوا بها إشارات (أو مضامين) متشابهة، فإننا نعاني القليل فقط في حال بروز مشاكل تواصل تتعلق بمضمون الرسالة. وبالنتيجة.... إن عملك في الخطابة يمكن أن يكون محدداً ضمن تحسين تنظيمك وصقلك لنمطك في الإلقاء. ومع ذلك فإن العديد من مشاكل التواصل يمكن أن تُعزى بشكل مباشر إلى الصعوبات في العلاقات بين المفسرين والرموز التي يستخدمونها والمشار إليه في هذه الرموز.

إن مثلث المعنى لشارلز أوغدن واي.آ. ريتشارد يوضّح العناصر الثلاثة المفسِّر والرمز والمُشار إليه التي يتألف منها التواصل، وأهم ما نحصل عليه هنا هو أنك كمدرب وكمحاضر وكمعلم عليك أن تحاول ضمان مطابقة الرسالة التي سيسمعها الحضور مع الرسالة التي تنوي إيصالها لهم، ولفهم تعقيدات الإلقاء فأنت تحتاج أن تفهم كيفية ارتباطها مع المستويات الأخرى من التواصل. تستطيع الان القيام باستبانة فجوة التواصل.

 

  1. Winsor 11.
  2. Roger K. Mosvick and Robert B. Nelson, We've Got to Start Meeting Like This! (Glenview, IL: Scott, 1987) 225.
  3. This Survey Was Conducted by Communispond , Inc., and is reported in ''Executives Say Training Helps Them Speak Better,'' Training: The Magazine of Human Resources Development October 1981 :20-21,75.