تحدثنا في الجزء الأول من مقالتنا هذه عن تعريف تحليل احتياجات التدريب وبعض الأسئلة الهامة لتحديد احتياجات التدريب في الشركات، وسنكمل الحديث في الجزء الثاني والأخير منها عن أسئلة أخرى، إلى جانب فوائد إجراء تحليل شامل لاحتياجات التدريب، وصعوبات إجرائه.

أسئلة الهامة لتحديد احتياجات التدريب

3. ما الذي يسبب الفجوات بين الأداء الأمثل والأداء الحالي للموظفين؟

تستخدم فِرق التعلم والتطوير مجموعة متنوعة من الوسائل لتحديد أسباب الفجوات في الأداء مثل إجراء مقابلات مع الموظفين والمديرين، ومراقبة أداء الموظفين في إتمام المهام الهامة، وتحليل مستندات معينة، والتي تقدم جميعها أفكاراً تساعد فرق التعلم والتطوير في التخطيط لخطواتهم التالية.

ضمن عملية التخطيط، على فرق التعلم والتطوير الإجابة عن أسئلة مهمة متعلقة بالأداء وهي:

  • ما الذي يدفع الموظفين إلى الأداء بهذه الطريقة؟
  • هل تلقُّوا تدريباً غير فعال؟
  • هل يفتقرون إلى الأدوات أو المعدات التي تساعدهم على العمل بكفاءة أكبر؟
  • هل يشعرون بعدم أهميتهم أو قيمتهم؟
  • هل سيستفيدون من تحسين المهارات الحالية أو تعلم مهارات جديدة؟

من الهام الإجابة عن هذه الأسئلة؛ لأنَّها تساعد فرق التعلم والتطوير في إنشاء دورات تدريب مستواها مناسب، واختيار الأسلوب الأمثل والجوانب الأساسية للمحتوى، بحيث تعالج الدورة التدريبية مشكلة الأداء من جذورها.

تُعدُّ هذه الخطوة مهمة أيضاً عند تقييم طلبات التدريب الفردية؛ لأنَّ موارد فرق التعلم والتطوير محدودة، والحصول على إجابات عن هذه الأسئلة يساعد في رفض طلبات التدريب التي لن تفيد الموظفين أو المديرين أو الشركة.

4. ما هي الإجراءات التي تقدم الحل الأفضل لهذه المشكلة؟

بعد تحديد الفجوات في المهارات، وتسليط الضوء على المشكلات، وجمع المعلومات لفهم الوضع، حان الوقت لصياغة الحلول. يمكن أن تقرر إنشاء برنامج تدريب محدد، أو تقترح شراء معدات حديثة أو ذات جودة أفضل، أما الحل الأمثل فيتضمن إجراء تدريب إضافي إلى جانب شراء معدات أو أدوات حديثة، أو توفير مساحة للعمل.

مثال عن تحليل احتياجات التدريب

لنفترض أنَّه أُجريت تغيرات كبيرة على عقود شراء العقارات السكنية أو بيعها في بلدتك. ونظراً لحجم التغيير، فقد فرض الوسيط المسؤول عن شركتك، والتي تضم أكثر من 100 وكيل، تدريباً إلزامياً قبل تاريخ سرَيان العقد. بعد مرور عدة أسابيع من سريان مفعول العقد الجديد، أُصيب مدير فريق كبير من الوكلاء في شركة الوساطة بالحيرة حين ازدادت الأخطاء التي ارتكبها الفريق الذي خضع للتدريب الإلزامي في العقد الجديد مقارنةً بالعقد القديم. ونتيجة لذلك، يقضي الموظفون الإداريون ضعف الوقت في مراجعة العقود ويعيدون الكثير منها إلى أفراد الفريق لتصحيحها.

تفاجأ المدير بأنَّ الأخطاء تشمل العقد بأكمله، ويقع فيها الوكلاء الخبيرون والجدد على حدٍّ سواء. لذا يتقدّم المدير بطلب تدريب إلى فريق التعلم والتطوير. للإحاطة بالمشكلة علماً، يتم إجراء تحليل المهام الذي يركز على مهمة كتابة العقد الجديد.

على الرغم من أنَّ المدير لا يتوقع كتابة عقود مثالية، ولكنَّ هدفه هو إتقان كتابتها بنسبة 92% على الأقل، وهو المعدل الذي حققه الفريق عند إنشاء العقد السابق. وعليه، يتعاون قسم الموارد البشرية مع المدير خلال العملية لفهم ما إذا كان التدريب هو الحل الأنسب لهذه المشكلة.

لجمع المعلومات، على قسم الموارد البشرية الاطلاع على العقود وإجراء مقابلات مع الوكلاء الذين استخدموا العقد المنقَّح، والتحقق من الصعوبات التي واجهها الموظفون الإداريون الذين تحملوا العبء الإضافي من العمل. كما يستطيع قسم الموارد البشرية الاطلاع على العشرات من العقود المكتملة بسرعة. بعد تحليل جميع البيانات بعناية، يمكن الاعتماد عليها لتحديد ما إذا كان التدريب هو الحل المناسب، ونوع التدريب والدعم الذي من شأنه أن يعالج المشكلة.

تحليل فعال لاحتياجات التدريب

فوائد عملية تحليل احتياجات التدريب الشاملة

وكما أشرنا في المثال أعلاه، إنَّ التقييم الشامل لاحتياجات التدريب هو عملية تتطلب وقتاً وطاقة، إلا أنَّها تعود بفوائد كبيرة على الشركات التي تجريه قبل إعداد تدريب جديد. إليك في ما يلي الفوائد التي يقدمها إجراء تحليل احتياجات التدريب على الشركات:

1. يوفر إطار تخطيط متكامل

يتيح إجراء التحليل التخطيط للتدريب بأكمله وليس تدريجياً، وتخصيص ميزانية له.

2. مواءمة برامج التدريب مع أهداف الشركة

بحيث يصبح التدريب جزءاً لا يتجزأ من أهداف الشركة والثقافة التنظيمية، وليس مجرد إجراء مؤقت لإصلاح المشكلة، ويصبح المدربون من أهم موظفي الشركة.

3. تجنب التكرار وتحديد التدريب غير الفعّال

يمكن توفير الوقت والمال عبر تجنب تمويل التدريب المتكرر أو غير الفعّال، وذلك بعد الاطلاع على احتياجات التعلم في الشركة.

4. تحديد الفجوات في المعرفة والمهارات التقنية ومعالجتها

إنَّ تحليل الاحتياجات الذي يحدد الفجوات في المعرفة أو المهارات هو أساس التدريب الذي يعالج تلك الفجوات، بحيث ينجز الموظفون مهامهم بكفاءةٍ أكبر.

صعوبات إجراء تحليل احتياجات التدريب

لقد ذكرنا بالفعل عائقين كبيرين أمام إجراء تحليل لاحتياجات التدريب، وهما الوقت والمال اللذان يتطلبهما التحليل الفعّال. إليك بعض الصعوبات الأخرى التي قد تواجهها عند إجرائه:

1. غياب التعاون والحماسة

قد ينتج هذا السلوك عن الإداريين أو الموظفين، وقد يكون سببه تجاربهم السلبية مع برامج التدريب السابقة، أو اعتقادهم بأنَّ التدريب إجراء تأديبي إلى حد ما، أو بأنَّ التدريب لن يحل المشكلة. ترى فِرق التعلم والتطوير التي تبني علاقات قوية مع مديري الفرق في جميع أقسام العمل أنَّ المديرين والموظفين أكثر تقبلاً لمبادراتهم التدريبية. تساعد الروح التعاونية التي يظهرها قسم التعلم والتطوير أيضاً في تقليل تردد الموظفين والمديرين في الخضوع للتدريب.

2. عدم الحصول على التغذية الراجعة (أو تجاهلها) في التدريب السابق

قد تنتج هذه المشكلة عن تغيُّر الموظفين أو اتباع نهج عشوائي في تبادل المعلومات. ولكن، غالباً لا تتوفر التغذية الراجعة نتيجة عدم قياس تأثير التدريب بدقة. الخطوة الهامة هنا إذاً هي إنشاء نظام يسجل بدقة وباستمرار تأثير كل مبادرة تدريبية. بغض النظر عن الأسباب، يؤدي غياب التغذية الراجعة إلى افتقاد معلومات قيمة.

3. عدم القدرة على تحديد الاحتياجات التدريبية للموظفين الجدد

ما إن ينتهي الموظفون الجدد من إجراءات توظيفهم، حتى يكونون هم ومشرفيهم متشوقين لبدء العمل فوراً، فتضيع بذلك الفرصة لتقييم معرفتهم ومهاراتهم التقنية، وهي خسارة كبيرة.

في الختام

يمكن القول أن تحليل الاحتياجات التدريبية ليس مجرد عملية إضافية، بل هو خطوة حاسمة نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة. من خلال تحديد الثغرات في المهارات ومعالجتها بشكل دقيق، يمكن للشركات أن تنشئ برامج تدريبية فعّالة تسهم في تحسين الأداء العام وتعزز من قدراتها التنافسية في السوق.

لذا، بدلاً من تجاهل التحديات أو الانزعاج منها، يجب أن نركز على تحليل الأوضاع الحالية وتطوير خطط واضحة للوصول إلى أهدافنا المرجوة. بهذه الطريقة، نضمن أنَّ كل جهد تدريبي يُبذل يعزز من القيمة المضافة ويحقق الفائدة القصوى للمؤسسة.