يتمثَّل دور محترفي التعلم والتطوير في ضمان اكتساب الأفراد والمنظمات المهارات التي يحتاجون إليها للنمو والتطور، ولكن كيف نعرف ما ستكون عليه هذه المهارات في المستقبل؟

هناك قول مألوف، وهو: "عندما تفعل ما تفعله دائماً، تحصل على ما تحصل عليه دائماً". يبدو ذلك وثيق الصلة خصوصاً عندما نفكر في تعزيز قوة المنظمات مستقبلاً.

غالباً ما تعكس حزم التطوير والتعلم في المنظمات الافتراضات والممارسات التقليدية التي تتَّبعها القيادة والإدارة، وفي هذه الأيام، من المرجح أن تكون هذه الحزم مبتكرة وأفضل رقمياً وموجَّهة نحو التعلم الذاتي، ولكن قد نواجه مشكلة إذا كانت المهارات التي يطورونها في المؤسسات مناسبة لماضينا أكثر من مستقبلنا.

العالم يتغير

من المفيد البدء بتحديد المهارات المختلفة التي ستكون مطلوبة في المنظمات المستقبلية إن أمكن، وقد يكون الكثير مما نقوم به اليوم ذا صلة، لذلك دعونا نركز على ما يجب تغييره.

إذا كان هناك عام شعاره "التغيير"، فهو عام 2020؛ إذ لم يصدمنا فقط حجم التغييرات، وإنَّما السرعة التي حدثت بها؛ لذا يجب أن يتكيف التعلم والتطوير لمواكبة وتيرة التغيير الحالية، ويدمج المهارات الجديدة المطلوبة لتكون فعَّالة في عالم متزايد التعقيد وغامض وسريع التغير.

إذاً كيف تبدو هذه التحديات الجديدة؟ لا أستطيع الادعاء بأنَّ هذه القائمة شاملة، ولكن تشمل تحديات اليوم ما يلي:

  • المزيد من الفرق موزعة جغرافياً الآن.
  • نحن نعمل عادةً في فِرق مختلطة تجمع بين الموظفين والمقاولين والمورِّدين الخارجيين.
  • غالباً ما يكون هناك صعوبة في الوصول إلى إجماع بشأن الخطوات المستقبلية؛ وذلك لأنَّنا لا نستطيع التنبؤ بالأحداث المستقبلية والنتائج المرتبطة بها.
  • نحن نتأثر تأثراً متزايداً في التكنولوجيا المبتكرة القادرة على تعطيل نماذج أعمالنا الحالية وأساليبنا الاعتيادية في تنفيذ المهام، فهل نتقبَّلها أم نحاول مقاومة قوتها القاهرة؟
  • لدينا كم هائل من البيانات ولكن ليس لدينا بالضرورة المزيد من الرؤى التي تساعدنا في اتخاذ القرارات.

هل نحتاج للتغيير؟

سوف تُميِّز القدرة على القيادة الاستثنائية الشركات الناجحة عن الشركات ذات الأداء المتوسط، ولكن سيحاول الآخرون النجاح من خلال محاولة تزييف النماذج التقليدية ذات العيوب القاتلة والتي ترتكز على اتِّباع القائد.

لن تنجح هذه الطرائق إذا اعتمدت على القادة الخبراء الذين يستخدمون أساليب القيادة التي يكون فيها القائد هو العارف بكل شيء والذي يُصدر تعليماته لأعضاء الفريق دون مشاركتهم في صنع القرار.

قد تكون القيادة المرنة استجابة مفيدة لبعض الضغوط التي نواجهها، يكتب الكثير من المُعلِّقين عن المنظمات المرنة والتحولات المرنة هذه الأيام؛ حيث يعني المصطلح أساساً عند تطبيقه على المنظمات، المنظمات "ذات المرونة" أو القدرة على التكيف بسرعة ومرونة مع ظروفها المتغيرة، وخير مثالٍ على ذلك الشركات التي تجمع بين القدرات والسمات الديناميكية التي تُمكِّنها من مواكبة المستقبل والتطور السريع.

عند التفكير في المهارات المطلوبة في مؤسستك، اسأل نفسك وزملاءك سؤالين:

  1. هل لدينا درجة عالية أم منخفضة من اليقين بشأن البيئة الخارجية التي نحن فيها؟
  2. هل لدينا درجة عالية أم منخفضة من الإجماع حول الخطوات المستقبلية؟

إذا كانت الإجابة عن أي من هذين السؤالين تشير إلى أنَّك بعيد عن اليقين، فإنَّ القدرة التي تحتاجها تشترك في العديد من الخصائص مع المنظمات المرنة المُصمَّمة للجمع بين الاستقرار والديناميكية، ويبدو أنَّك لست وحدك.

أشارت الأبحاث المنشورة في مجلة ماكينسي كوارتيرلي (McKinsey Quarterly) إلى أنَّ ثلاثة أرباع المستجيبين قالوا إنَّ المرونة التنظيمية هي الأولوية القصوى أو من بين ثلاث أولويات، وما يقرب من 40٪ منهم يقومون حالياً بإجراء تحوُّل مؤسسي مرن؛ إذ يعتقد المشاركون في جميع القطاعات أنَّ المزيد من موظفيهم يجب أن يتَّبعوا طرائق عمل مرنة، مما يعني ممارسات عمل مبتكرة تتضمن المرونة المادية والرقمية وتُركِّز على الأداء والنتائج.

ما هي مقوِّمات المنظمة المرنة؟

إن طُبِّقت المرونة تطبيقاً فعَّالاً، فهذا يعني أن تتصرف المنظمات تصرفاً مختلفاً وأن تكون قادرة على إحداث تحوُّل جذري.

لقد حدَّد مقال هام نُشر عام 2018 في مجلة ماكينسي (McKinsey) حول موضوع "خمس علامات تجارية للمنظمات المرنة" بعض القدرات اللازمة لبناء منظمات القرن الواحد والعشرين:

  • لديهم هدف توجيهي ومبادئ راسخة في جميع أنحاء المنظمة.
  • يعملون من خلال شبكة من الفرق الصغيرة ذات الصلاحيات.
  • يتخذون قرارات سريعة ويتلقون دورات تعليمية.
  • لديهم نماذج أشخاص ديناميكية ترتكز على مجتمع شغوف في العمل ويعمل بتماسك من أجل تحقيق هدف مشترك.
  • يستخدمون الجيل التالي من التكنولوجيا التي تمنحهم القوة.

ما هي المهارات التي سوف نحتاجها؟

دعنا نُفصِّل هذا الموضوع من خلال طرح بعض القدرات المُتقدِّمة التي يحتاج التعلم والتطوير إلى التركيز عليها.

1. إنشاء هدف مشترك:

يجب دعم القادة لتطوير وتعزيز فهم نية المنظمة في تقديم قيمة لجميع المساهمين فيها فهماً واضحاً وإيجاد طرائق فعَّالة لمساعدة الناس على تحويل التوجُّه الاستراتيجي إلى نتائج واقعية وقابلة للتنفيذ.    

2. قيادة الشبكات:

 نظراً لأنَّ الشبكات تحل محل الهياكل التقليدية أو تعززها على الأقل، سيحتاج الأشخاص على جميع المستويات إلى القدرة على قيادة وتنسيق -ولكن ليس محاولة السيطرة- الناتج الجماعي لشبكات الفرق الموزَّعة، والعمل بمرونة، والتشكيل وإعادة التشكيل باستمرار حول المتطلبات المتغيرة لمهمتهم.   

3. التعاون والتواصل:

يحتاج القادة على جميع المستويات لتوليد القيمة من التعاون والتواصل إلى التركيز على تمكين الثقافات التي تركز على الناس والتعاطف فيما بينهم، وبناء العلاقات ومهارات الاتصال، وقد يكون الجيل الذي يدخل مكان العمل الآن أكثر تكيفاً مع تحديات القرن الواحد والعشرين، ولكن يحتاج الآخرون إلى المساعدة لتطوير مهارات استباقية للتعامل بفعالية مع عدم اليقين والتغيير المستمر.   

4. التخطيط للعمل غير المخطط له:

 يتضمن جزء كبير من وقتنا الآن التعامل مع الأحداث غير المخطط لها؛ حيث يحتاج القادة إلى موازنة التركيز على الأهداف طويلة الأمد واتخاذ إجراءات لمساعدة الفرق على المضي قدماً وإيجاد مسار إلى المستقبل، بدلاً من التعثر.  

5. اتخاذ قرارات من دون معلومات كافية

يحتاج القادة احتياجاً متزايداً إلى إيجاد طرائق لضمان اتخاذ قرارات تُلبِّي الحد الأدنى الملائم، حتى بدون معلومات كافية، وهذا يعني القدرة على معرفة وقت اتخاذ القرار وكثرة (أو قلة) المعلومات المطلوبة للمضي قدماً.

ولتحقيق هذا الزخم، تحتاج المنظمات إلى تطوير وعي جيد بالموقف، ووضع السلطة في أيدي المؤهلين لاتخاذ القرارات وبناء الثقة في العملية التي من خلالها تُقيَّم القرارات بالاستفادة من الخبرة؛ ولكن لن يحدث ذلك ما لم يُشجَّع الأشخاص من جميع المستويات على التجربة والوثوق بالفشل، شريطة أن يتصرفوا بنية حسنة.   

كيفية تعزيز المهارات المستقبلية

الخطوة الأولى: إقناع القادة بأنَّ الوضع الجديد يتطلب قدرات جديدة؛ ميِّزهم وحفِّزهم على التوافق مع العقلية والسلوك المطلوبين.

الخطوة الثانية: لن يحدث التغيير ما لم يرَ الناس قادتهم يقومون بالتغيير، ومن ثم ضمان أن يحتذي القادة العقليات والسلوكات الجديدة، مع محاسبة بعضهم بعضاً من أجل إجراء هذه التغييرات ورعايتها في الفِرق التي يقودونها.

الخطوة الثالثة: تنفيذ فرص التعلم والتطوير التي تدعم الموظفين لتطوير مهارات جديدة مطلوبة للنجاح في المؤسسة المستقبلية، وهذا يستغرق وقتاً، ولكن تذكَّر أنَّ التدريب يكون أكثر فعالية عندما يكون مدعوماً بالتعلم الذاتي والتعلم " في أثناء العمل".

من الناحية المثالية؛ طوِّر نشاطات عملية قائمة على السيناريوهات وتُجرى في بيئة آمنة بحيث يستطيع الأفراد التدرب تدرُّباً جماعياً وتلقِّي تغذية راجعة على المهارات الجديدة في أثناء تطوير مهاراتهم.

الخطوة الرابعة: ضمان إعادة تصميم الأنظمة والعمليات لمراعاة التغيير الثقافي، وهذا يشمل إدارة الأداء وأنظمة المكافآت أو التقدير التي تُحفِّز الناس على إظهار سلوكات جديدة.

لا فائدة من تطوير قدرات المتدربين المستقبلية، مثل الحرية في اتخاذ قرارات سريعة، فقط لإثقال كاهلهم بعمليات غير متماسكة، مثل حثهم على الحذر وعدم المجازفة.