ينبغي لنظام التعليم مواكبة التكنولوجيا إذا أردنا إعداد الطلاب لدخول سوق العمل المستقبلي؛ فمع انطلاقة الثورة الصناعية الرابعة وتقدُّم التكنولوجيا بخطوات واسعة، ربما حان وقت تفكير قطاع التعليم بجديَّةٍ أكبر في إعداد الشباب للمستقبل.

على مدى قرون من الزمن، صُمِّمت المناهج الدراسية تصميماً يوجِّه الطلاب الأكثر موهبة نحو التعليم الجامعي ويُعِدُّهم لمناصب في القطاعات التقليدية بما في ذلك القانون والبنوك والتصنيع والحوسبة والتعليم والشركات الكبرى.

لكن وفي السنوات الأخيرة، تغير الجزء الأخير من تلك المعادلة، ماذا لو أصبحت الأدوار الوظيفية في المستقبل مختلفة تماماً بفضل ظهور الروبوتات والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز؟

تقودنا هذه الأسئلة إلى سؤال أكثر تعقيداً، وهو: كيف يمكننا إعداد طلاب اليوم لوظائف ليست موجودة بعد؟

التعلم مدى الحياة

طُرِح الموضوع للنقاش في المملكة المتحدة بعد أن أعلن المستشار فيليب هاموند (Philip Hammond)، كجزء من بيان الربيع، أنَّ وزارة التعليم ستنفق ما يصل إلى 40 مليون جنيه إسترليني على الطيارين لاختبار فعالية الأساليب المختلفة للتعلم مدى الحياة.

يقول فيليب: "إنَّ إعادة التدريب أمر حيوي؛ حيث يحتاج العديد من شبابنا اليوم إلى إعادة التدريب مرة واحدة على الأقل"، لكن من نواحٍ عديدة، يُقلل المستشار من أهمية التحدي الذي يواجهه الاقتصاد والمجتمع.

التعليم الذي يصمد في المستقبل

توقَّعت دراسة حديثة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي أنَّ 65٪ من الأطفال في المدرسة سيعملون في المستقبل في وظائف ليست موجودة بعد، كما سلَّط الضوء على أنَّ الوظائف الأكثر طلباً في الوقت الحالي هي الأدوار الوظيفية التي لم تكن موجودة على الخارطة قبل خمس سنوات.

وهذا يضعنا أمام معضلة كبيرة؛ إذ كيف نُنشئ أنظمة التعليم لتطوير المهارات والمعرفة لدى الأفراد الذين سنعتمد عليهم في قيادة اقتصادنا في المستقبل؟

ما يعترف به المستشار هو أنَّنا إذا لم نتحرك الآن، سوف نواجه الحقيقة المروِّعة المتمثلة في فقدان أعداد كبيرة من الناس لوظائفهم؛ وذلك لأنَّ مهاراتهم سوف تصبح قديمة وغير فعَّالة اقتصاديَّاً.

على سبيل المثال، تشير التقديرات الحالية إلى أنَّ البيع بالتجزئة سوف يتخلى عن أكثر من 900000 وظيفة بحلول عام 2025، فالصناعة تتغير بسرعة فائقة.

إذاً، ما الحل؟

1. دراسة نماذج خارجية

قد يكون النظر إلى كيفية تعامل البلدان الأخرى مع هذه المشكلة مفيداً، فعلى سبيل المثال، اتخذت سنغافورة (التي رُشحت مؤخراً أن تكون نموذجاً تحتذي به بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي) إجراءات لتزويد قوَّتها العاملة بمهارات من خلال برنامج سكيلز فيوتشر (Skillsfuture).

بموجب هذا النظام، تُزوِّد الحكومة كل فرد بمبلغ من المال يُساوي ما يقرب من 275 جنيه إسترليني لإنفاقه على برامج تنمية المهارات التي يختارونها بأنفسهم، وغالباً ضمن مخططات تموِّلها الحكومة.

يُنظر إلى التدريب على أنَّه جزء حيوي من المرونة المهنية؛ وذلك بالنظر إلى أنَّه مع تغير متطلبات الوظائف، سيحتاج الأفراد إلى التكيف وفقاً للمتطلبات الاقتصادية في حينه. والميزة الرئيسة هي العمل الجماعي، والتي تُمكِّن المشاركين من التعاون والتصدي بشكل مشترك للتحديات التي يتطلبها تعلُّم مهارات جديدة وتغيير طريقة عملهم.

سيُكلِّف الحكومة مخطط مماثل في المملكة المتحدة حوالي 8 مليارات جنيه إسترليني، مما يضع المبلغ الذي حدَّده فيليب هاموند (40 مليون جنيه إسترليني) ضمن المنظور الصحيح.

2. الاهتمام بالمهارات الناعمة

تتصدر بريطانيا القيادة في الصناعات الإبداعية، لذلك هي بحاجة إلى رعاية الابتكار والإبداع لدى الأطفال في المدارس، وتقدير تلك السمات والمهارات بدرجة أكبر؛ إذ لم يعد النموذج الصناعي للتعليم يعمل بكفاءة؛ إذ تأسس نظام التعليم على فكرة أنَّه لا يوجد سوى حل واحد صحيح، وأنَّ العالم الحديث يُقدِّر الأشخاص الذين يفكرون تفكيراً أكثر شمولية من ذلك.

من نواحٍ عديدة، تُعدُّ المهارات الناعمة عاملاً أقوى بكثير في تحديد النجاح من القدرة على تقديم الحل الصحيح، وسيكون لنجوم الغد ذكاء عاطفي عالٍ ومهارات اتصال عالية ونوع من التعاطف والتفاهم الذي يجعل العمل عبر الحدود الثقافية ممكناً.

في المستقبل، وحتى في الوقت الحالي، ليس بالضرورة أن يكون الأطفال المولعون بالكتب هم مَن يستمرون في النجاح؛ على العكس من ذلك، غالباً ما يكون الأطفال الذين لا يؤدون أداءً جيداً أكاديمياً هم الذين يُطوِّرون المهارات كاستراتيجية للتكيف لمساعدتهم على التعاون بشكل أفضل.

حتى في الوقت الحالي، لا يحمل كل القادة درجة علمية؛ حيث تفترض النظرة العصرية أنَّ ثلثي النجاح يرجع إلى المهارات الناعمة المستخدمة في مكان العمل، ونتيجة لذلك ابتعدت العديد من الشركات الكبرى عن توظيف الأفراد لمجرد أنَّهم يحملون شهادات جامعية.

3. تبنِّي التدريب المهني ودراسات ريادة الأعمال

نظراً لتغيُّر متطلبات التوظيف وكون الدرجات العلمية أصبحت جزءاً أقل أهمية في عملية الاختيار، حيث يحتاج التعليم إلى تبنِّي نماذج جديدة تساعد الطلاب على تعلُّم المهارات الأساسية التي تُلبِّي متطلبات أرباب العمل في المستقبل.

قد تكون مخططات التدريب المهني طريقة أكثر فاعلية لتطوير مهارات الأعمال الحديثة، أو قد تكون دراسات ريادة الأعمال جزءاً أكثر قيمة في المنهج الدراسي من العديد من معظم المواد التي ما زالت تُدرَّس منذ مدَّةٍ طويلة.

إذا لم يَعُد الباحثون عن عمل بحاجة إلى مجموعات المهارات التقليدية للنجاح في سوق العمل، فستكون هناك حاجة إلى مزيد من المرونة في المناهج الدراسية الوطنية لتعكس هذا التغيير وإعدادهم له.

وعلى أقل تقدير، سيحتاجون إلى التعامل بأريحية مع التكنولوجيا، وبالطبع هذه حاجة يسهل على المدارس معالجتها، أما مساعدة الطلاب على اكتساب تلك المهارات الناعمة الهامة، وتحليل أنماطهم الخاصة في القيادة وقبول نقاط الضعف والقوة في صفاتهم الشخصية الفردية؛ فهو أمر أكثر تعقيداً.

4. استخدام التعليم لتطوير مهارات القيادة والمرونة والتواصل

يواجه القادة في مكان العمل تحديات بطرائق جديدة وثورية حيث إنَّ تأثير التغييرات في التركيبة السكانية والتكنولوجيا والعقد الاجتماعي المتغير بين العمال وأرباب العمل؛ يُجبر المنظمات على إعادة تصميم هياكلها لتصبح أكثر مرونة.

سيحتاج طلاب المستقبل إلى التعامل بأريحيَّةٍ أكبر مع الهيكل الجديد وإلى نهج لامركزي؛ حيث يجتمع الناس للتعامل مع المشاريع كفريق واحد قبل أن يتفرقوا مرة أخرى وينتقلوا إلى مهام جديدة.

يكمن تحدي القيادة في هذه البيئة الجديدة تحدياً أساسياً في التواصل، وهي مهارة لا يعالجها التعليم التقليدي دائماً. والحقيقة هي أنَّه في المستقبل، سيعمل أعضاء الفريق غالباً عن بُعد، وسيكون لديهم ثقافات مختلفة، وتوقعات وأفكار مختلفة جداً حول هدف الفريق وأدواره وكيفية قيادته.

يُعدُّ تدريب الطلاب على المرونة تحدياً آخر أمام التعليم الذي يعمل عادةً بطريقة غير مرنة للغاية، كما يُعدُّ الانتقال من بيئة الفصل الدراسي المنظَّمة (الجلوس والاستماع) إلى العمل من المنزل يومين في الأسبوع والانضمام إلى فريق عالمي خطوة كبيرة، بغض النظر عما قد تستلزمه وظيفة المستقبل.