يفتح لنا الذكاء الاصطناعي الباب على مصراعيه أمام عالم جديد كلياً مليء بالفرص، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بتدريب الموظفين والاحتفاظ بهم، وهو أمر هام جداً للشركات التي تواجه صعوبات بالغة اليوم من أجل مواكبة متطلبات التدريب المتغيرة بسرعة التي تفرضها توقُّعات إعداد الموظفين وصقل مهاراتهم.

كان التركيز حتى الآونة الأخيرة على روبوت "شات جي بي تي" (ChatGPT)؛ وهو برنامج ذكاء اصطناعي متطور جداً قادر على تقديم إجابات وردود تفصيلية، وغير ذلك من نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) التي تساعد على تسريع إنتاج محتوى التدريب، وتنظيم محتوى التعلُّم للمتدربين؛ إذ تُعَدُّ هذه التقنيات واعدة، ومع ذلك، فهي ليست سوى عينات بسيطة مما يمكن تحقيقه مستقبلاً في هذا المجال.

يمكن لهذه التكنولوجيا - وخاصةً برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي (برنامج حاسوبي يجعل النتائج تبدو كأنَّها من صنع البشر)، التي يبدو أنَّها بلغت مرحلة تستطيع فيها الوصول إلى استنتاجات واقتراحات - أن تحقق ثورة في مجال دعم برامج التدريب التي تجريها المشاريع التجارية لموظفيها، وهذا يساعد الشركات على تحقيق فائدة أكبر من برامج التدريب هذه.

تحسين برامج التدريب:

الموضوع الذي يشغل الجميع حالياً هو كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى ممتع، بحيث تبدأ برامج التدريب بمحاكاة تقنيات الفيديو، وألعاب الواقع الافتراضي، وغير ذلك من التجارب المحببة لنا.

لكن ما يجب أن ننتظره الآن هو كيفية استثمار الشركات وقياداتها في برامج التدريب التي تجريها لموظفيها؛ إذ تعتقد الشركات أنَّ التدريب يؤدي دوراً أساسياً واستراتيجياً على المستوى التنفيذي، فيؤثِّر في قرارات الشركة؛ بل ويساهم حتى في تشكيلها، وتُعَدُّ بنية ومصادر البيانات المتاحة للتحليلات أساسية لتعزيز هذه القدرة.

يمهِّد هذا الأساس الطريق للاستفادة من كافة أدوات الذكاء الاصطناعي وتقديم دعم سريع لعملية اتخاذ القرارات المصمَّمة بشكل يتوافق مع مؤشِّرات الأداء الرئيسة الخاصة بالشركة.

عندما تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة، فإنَّها ستمتلك أداة جاهزة لتعديل الخطط وتساعد على توفير الوقت، والاستفادة القصوى من موارد التدريب، مثل التجهيزات، والأماكن، والمعلمين، كما ستُتاح للشركات فرص هائلة لتحسين برامج التدريب بناءً على التحليل الذي يتيحه استخدام الذكاء الصنعي.

تمثِّل اليوم القرارات اللوجستية وتخصيص الموارد مصدر إرهاق لفِرق التدريب؛ إذ تضطلع هذه الفِرق بمهام تتجاوز تقديم محتوى تدريب للموظفين، وقبل أن يصل موظفو التدريب إلى مرحلة تسليم المحتوى للمتدربين، فإنَّه يتعيَّن عليهم أن يوفِّقوا بين تخصيص الوقت الكافي لتجهيز المحتوى، والقيام بمهام العمل الأخرى، وهو ليس بالأمر الهيِّن.

حتى الشركات الأكثر كفاءة تحتاج إلى أسابيع لجدولة الدورات التدريبية وإجرائها، وقبل أن تتم الموافقة على جدول برنامج التدريب الزمني، فإنَّه يتعيَّن على الموظفين المسؤولين التعامل مع كثير من الملاحظات اللاحقة لإعداد النموذج الأولي للبرنامج والتقويمات، والتنسيق مع أصحاب المصلحة، ناهيك عن مشكلة تفاوت الوقت الذي يكون فيه كل شخص من هؤلاء متاحاً للتواصل.

عندما يحدث أي تغيير بسيط في الجدول الزمني الخاص بالتدريب، فسيضطر موظفو التدريب إلى البدء مجدداً بإعداد الدورة من مرحلة الصفر؛ إذ يُعَدُّ هذا الوقت المهدور بمنزلة خسارة لمعظم الشركات، فيضيع كثير من الوقت، وتتأثر الإنتاجية سلباً، ومن الممكن أن تنخفض العائدات.

يمكن لتكنولوجيا التدريب المدعومة بالذكاء الاصطناعي تطبيق حلول الذكاء السريع، وحل مشكلة عدد من المهام الرتيبة التي تستغرق كثيراً من الوقت، مثل جدولة جلسات التدريب.

يساعد استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال على منح فِرق التدريب مرونة وقدرة أكبر على التكيُّف وإجراء التغيير، ومزيداً من الوقت الذي يمكن لموظفي التدريب أن يركِّزوا فيه على المهام الاستراتيجية.

تقضي على سبيل المثال فِرق التدريب في الشركات ساعات مطوَّلة في التخطيط واختيار الجداول الزمنية المناسبة لبرنامج التدريب بشكل يدوي مرة على الأقل كل 3 أشهر، ويذهب معظم هذا الوقت على عمليات مثل التحقق من جداول البيانات والتقويمات للعثور على أفضل خطة تناسب وقت المتدربين وموارد الشركة.

قد تكون هذه المهام شاقة جداً عند العمل من خلال أنظمة متعددة، وفي مواقع عدة متباعدة تحتوي على مئات الموظفين، وهذه هي المهام التي قد يُستفاد من الذكاء الاصطناعي في إنجازها؛ إذ تسهِّل هذه التكنولوجيا إنجاز هذه النشاطات، وتوفِّر الوقت اللازم لها.

يمكن للذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات متعددة المعايير (القرارات التي تتضمن عدداً من مسارات العمل البديلة)، وإجراء عمليات تستغرق من البشر كثيراً من الوقت والجهد في زمن قياسي، ويمكن التأكيد باختصار على أنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم برامج التدريب يُعَدُّ مكسباً كبيراً للشركات.

مستقبل الذكاء الاصطناعي وإمكاناته القصوى:

ستستفيد الشركات من أكثر من مجرد استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى تدريب جذاب وتحسين برامج التدريب؛ بل ستكون قادرة أيضاً على تحقيق فائدة شاملة على مستوى الشركة ككل.

مثلاً، تحتاج الشركات من أجل قياس نجاحها إلى وفرة في البيانات لتقديمها لبرامج الذكاء الاصطناعي، لكن سيجعل الاعتياد على أسلوب تقديم محتوى التدريب من خلال حلول برمجية أحادية هذا الأمر صعباً.

هذا هو السبب أيضاً في عدم امتلاك كبار المسؤولين في الشركات رؤية واضحة عن عائد الاستثمار الذي ستحققه الشركات من خلال الاستثمار في تكنولوجيا التدريب، وهو ما يجعلهم مترددين في استثمار مزيد من الموارد في هذا المجال.

المشكلة هي أنَّ كثيراً من الحلول البرمجية الأحادية هي برامج منفصلة لم تُصمَّم لتتكامل بسهولة مع برمجيات أخرى، لذلك ما زالت تقوم فِرق التدريب بشكل يدوي بدمج البيانات التي تنتجها هذه البرامج مع البيانات الأخرى، ويقوم فريق التدريب بجمع البيانات من مختلف المصادر ووضعها في جداول بيانات، ومن ثمَّ إجراء تحليلات يدوية عليها، ويصبح إيجاد الوقت لإجراء تحليلات عميقة صعباً، وخاصةً أنَّ فِرق التدريب لديها كثير من المهام الأخرى التي تفوق قدرتها.

أدت الحلول البرمجية الأحادية ذات البيانات غير القابلة للدمج إلى الحد من قدرة المؤسسات التي تعمل في مجال التدريب على نطاق واسع، وهذا ما أدى بدوره إلى تقويض إمكانية هذه المؤسسات (أقسام وفِرق التدريب) على قيادة الشركة بجدارة.

لطالما عانت الشركات من ندرة الموارد والوقت اللازمين لإجراء هذا النوع من التحليلات، وحتى في حال إجرائه، فإنَّه لم يكن بمقدورها الاستفادة منه بالكامل، وقد أصبح كل ذلك ممكناً اليوم مع الذكاء الاصطناعي.

توفِّر البرمجيات الخدمية (البرمجيات التي تقدِّم الدعم اللوجستي) ميزة تكامل الأنظمة، وتحل مشكلة الافتقار إلى البيانات اللازمة لدمج أنظمة البيانات معاً؛ إذ يُعَدُّ توفُّر البيانات خطوة أساسية تمهيدية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، فكلما كان لديك بيانات أكثر ذات بنية أفضل، حققت فوائدَ أكبر من الذكاء الاصطناعي.

يمكن للذكاء الاصطناعي - من خلال استخدام البرمجيات مع تكنولوجيا التدريب - أن يحلل البيانات من خلال مؤشرات الأداء المؤسساتية التي يوفِّرها قادة الشركة، وسيوفِّر كل ذلك لفِرق التدريب إمكانات جديدة على صعيد توظيف البيانات في السياقات المناسبة التي تساعد بعد ذلك على إعلام أصحاب المصلحة عن عملية صنع القرارات السريعة، ونتائجها على المشروع التجاري.

كما يوضِّح أيضاً لقادة الشركات فائدة الاستثمار في برامج وتكنولوجيا التدريب على صعيد الشركة ككل، فيجب أن تتميز برامج التدريب بالمرونة من أجل تلبية متطلبات نمو المشروع التجاري وتوفيرها، والسرعة عامل هام، لكن يجب ألا تكون على حساب جودة النتائج، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق كلا الأمرين.

في الختام:

كما ذكرنا آنفاً، يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بأكثر من مجرد مساعدة فِرق التدريب على إنشاء محتوى جذاب، كما يمكنه الارتقاء بوظيفة التدريب بحيث يمكن إنجاز مهام تحتاج إلى أيام من العمل اليدوي في دقائق.

لكن قبل أن تتمكن الشركات من تحقيق هذه الإمكانات، فإنَّها تحتاج إلى رقمنة بيانات التدريب الخاصة بها، واستخدام تحليلات التعلُّم لدراستها ودمجها مع وظائف الأعمال الهامة الأخرى في الشركة، وهذا سيساعد على تحقيق أقصى فائدة ممكنة من الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بتدريب الموظفين.