عندما تصبح أنماط العمل أكثر مرونة، يجب أن يكون نهجنا في التعليم والتطوير كذلك أيضاً؛ حيث إنَّ توفير الفرصة للموظفين للعمل بالوتيرة التي تناسبهم قد ينتج عنه مكاسب كبيرة.

في العام الماضي، شهدنا تحولاً كبيراً في طريقة عملنا؛ حيث اضطرَّ عددٌ كبيرٌ من الناس يفوق ما كان في أي وقت مضى إلى العمل عن بُعد، ومع ذلك، حتى قبل عام 2020، تغيرت بيئات العمل الحديثة بسبب احتياجات ورغبات الخريجين الجدد الذين ينضمون إلى صفوف القوى العاملة ويُغيِّرون المفاهيم التي تتعلق بمشاركة الموظفين والاحتفاظ بهم.

نتيجةً لذلك، يكاد يكون العثور على برنامج تدريب يتناسب مع يوم العمل الحديث مستحيلاً بالنسبة لبعض أنواع الوظائف، علاوةً على ذلك، قد يُشكِّل هذا البرنامج عبئاً إضافياً على الجوانب الأخرى لعمل الموظفين، والتي أهمها صحتهم العقلية.

لماذا يجب أن نهتم بالتعليم والتطوير أصلاً؟

يَعرف قادة الأعمال تمام المعرفة أنَّ تشجيع المشاركة في برامج التعليم والتطوير هو أحد أكثر الطرائق فعالية لتعزيز ثقافة قوية قائمة على حب الاستكشاف والتطوير المهني في الشركة، بالإضافة إلى زيادة الاحتفاظ بالموظفين.

هذا هام بشكل خاص الآن، فعندما يتطلع أولئك الذين ينضمون إلى صفوف القوى العاملة إلى النمو وتنويع مهاراتهم، ويكونون أكثر استعداداً للانتقال إلى أماكن عمل أفضل عندما لا تُلبَّى احتياجاتهم في التطوير المهني؛ يتعين حينئذٍ على أرباب الأعمال إيجاد طرائق جديدة لتوفير فرص مستمرة للتعلم والنمو المهني؛ وهنا يأتي دور التعلم الذاتي.

لماذا يجب أن يكون التعلم ذاتياً؟

إنَّ التحدي الذي نواجهه كمدراء هو مساعدة فرقنا على إيجاد التوازن بين مسؤولياتهم الرئيسة وأهداف التطوير المهني؛ حيث تنجح استراتيجيات التعليم والتطوير فقط عندما يشعر الموظفون أنَّ هذه الاستراتيجيات تدعمهم وتُمكِّنهم وليس العكس.

يُقدِّر الخريجون الجدد الذين يدخلون السوق فرص التنمية، ويرغبون في تحقيق توازن أكبر بين الحياة العملية والحياة الخاصة. وهاتان الرغبتان - التدريب وساعات العمل المرنة - غير متوافقتين إذا كان التدريب يعتمد على جداول زمنية صارمة أو مواقع تدريب ثابتة، وهذا يعني أنَّه قد تكون أيام حجز غرفة اجتماعات لمُعلِّم لغة أو مُدرِّب إدارة لتقديم جلسة جماعية صغيرة على فترات منتظمة قد ولَّت منذ فترة طويلة؛ ذلك لأنَّها لم تعد حلولاً واقعية، فقد أصبحت مجرد مَهمَّة إضافية يجب إجراؤها في المكتب، واجتماعاً آخر لترتيب أمور العمل خارج المكتب، ومقاطعة أخرى لما كان من المفترض أن يكون وقتاً مثمراً بحلول الظهيرة.

إن لم يكن هناك جدول زمني ثابت، فكيف نراقب استكمال المهام؟

إنَّ التحدي الذي يواجهه العديد من خبراء التعليم والتطوير الذين يتطلعون إلى تطبيق التعلم الذاتي هو معرفة ما إذا كان الموظفون يستخدمون البرامج التدريبية التي تدفع الشركة رسومها نيابة عنهم أم لا.

وبدون مقاييس قابلة للتتبع مثل الحضور أو تقارير التقدم من المدربين، تصبح إدارة المشاركة والإنجاز أصعب، وفي نهاية المطاف، تتوفر معظم برامج التدريب الذاتي بالتعاون مع منصات الإدارة، أو تُقدِّم تقارير فردية عن التقدم إلى المتعلِّم مباشرة.

من خلال الموافقة على الأهداف الذكية (SMART)، يتضاءل عبء المُساءلة والمراقبة، ويُسمح للموظفين بإدارة التقدم والتخطيط للمشاريع بأنفسهم، ولا يقود هذا النوع من الاستقلالية الإنتاجية والتحفيز فحسب؛ بل هو في حد ذاته شكل من أشكال التدريب المهني.

وهذا يعني أنَّه بالإضافة إلى نتائج تدريبهم الأولية، سيتعلم الموظفون أفضل طريقة لإدارة وقتهم ووتيرة عملهم للوفاء بالتزاماتهم في أثناء إكمال برنامج التدريب، وإلى جانب الأهداف الواقعية والقابلة للتحقيق، قد تكون هذه نتيجة تدريب مُرضِية للغاية.

هل دائماً ما يعني التعلم الذاتي التعلم الموجَّه ذاتياً؟

لا تحتاج برامج التدريب الذاتي إلى التوجيه الذاتي، وفي الواقع، إذ تعتمد معظم الدورات التدريبية المتاحة على الإنترنت أو منصات التدريب على نوع من المناهج المتسلسلة المقترحة؛ بل إنَّ بعضها مُقيَّد بطريقة تضمن التقدم التسلسلي من خلال محتوى التدريب.

عندما لا تكون المادة التدريبية متسلسلة بطبيعتها، أو عندما يكون لدى الموظف معرفة مسبقة بالموضوع، فقد يكون من المفيد أن تتمتع بالمرونة للتنقل بين مواد الدورة التدريبية واختيار الموضوعات التي تناسب الاحتياجات الفردية للموظف، وهذا حافز قوي آخر يدفع استراتيجيات التعليم والتطوير نحو التحول إلى نماذج ذاتية التنظيم وقابلة للتكيف مع رغبة المتعلم.

لقد ثبت أنَّه عندما يكون لدى المتعلم أهداف واضحة، يكون تعلمه أكثر كفاءة وفاعلية؛ وذلك لأنَّه قادر على اختيار مواد التدريب التي يحتاجها، والتركيز تركيزاً أساسياً على نقاط ضعفه.

من أين نبدأ؟

إذا كنت تنتقل من نظام تدريب في الموقع ومن نظام مجدول، فقد ترغب في البدء بمجموعة تجريبية من الموظفين ونقل تدريبهم إلى نموذج التعلم الذاتي؛ مما يساعدك على إبراز نقاط الخلل في مؤسستك قبل البدء بتغيير واسع النطاق؛ والتغيير، وحتى التغيير للأفضل، نادراً ما يكون سهلاً؛ لذا وفي كلتا الحالتين، تأكد من إشراك الموظفين في مراحل تحديد الأهداف وابتكار نظام يسمح لهم بتولِّي مسؤولية التعلم بأنفسهم.

نظِّم إجراءات وصول منتظمة لمتابعة التقدم نحو الأهداف، وثق بفريقك لإدارة أهدافهم التدريبية ضمن الإطار الزمني المتفق عليه.

أخيراً، لا تتوقع أن يكون كل شيء مثالياً؛ ستكون هناك مشكلات وإخفاقات على طول الطريق، ولكن قد تكون هذه بمثابة فرص تعليمية ثمينة تُثري نموذج التدريب، بالإضافة إلى مهارات إدارة الوقت والمهام للموظفين؛ لذا تأكد من العثور على العِبر في هذه اللحظات، وطبقها في المستقبل على برنامج التدريب الذاتي الجديد.