تخيَّل أنَّك حضرت دورة تدريبية غطَّت مجموعة جيِّدة من المعلومات التي لم تكُنْ تعرفها، وفي وقتٍ لاحق سألكَ زميلك عن محتوى الدورة وانصدمتَ بأنَّك غير قادر على تذكُّر الكثير عنها، فقد يبدو الأمر كما لو أنَّك قد حضرت الدورة منذ سنوات على الرغم من أنَّها كانَت قبل شهر فقط.

من المُضحك أنَّك كنتَ تعتقد في ذلك الوقت أنَّها كانت دورة جيدة وكانت مفيدة للغاية، ولكنَّكَ لا تتذكر شيئاً منها. أنتَ تشرح ذلك لزميلك ولكنَّك تتساءل عن سبب عدم تذكُّر الكثير من محتوى الدورة التدريبية، وبالتأكيد أنت لا تخبر زميلك بذلك، فأنتَ لا تريده أن يعتقد أنَّ ذاكرتك ضعيفة، أو الأسوأ من ذلك أنَّك أهدرتَ موارد الشركة من خلال حضور دورة لم تحصل على الكثير من المعلومات منها.

بعدها تتساءَل: "ما الذي يَحدُث معي وهل من المُفترَض أن تكون الدورات التدريبية على هذا النحو أم أنَّ هناك مشكلة أخرى؟" أو لطرح السؤال بطريقة مختلفة؛ بالنسبة إليك كمدرِّب، هل يُوجَدُ شيء يُمكِنُكَ القيام به لتجنُّب ما حصلَ مع ذاك المتدرِّب؟

ما هو التدريب؟

لمعرفة ما جرى في هذا السيناريو دعنا نعود إلى البداية ونرى ما الذي تعنيه الدورة التدريبية.

تدور فكرة التدريب حول تعلُّم مهارة جديدة، ولا يتعلق الأمر بالتعرُّف إلى مجال جديد، فهذا هو الهدف من المحاضرة أو العرض، وفي المقابل تهدفُ الدورة التدريبية إلى تعليم المتدربين مهارة جديدة، وفي الدورة التدريبية لا يُمكِنُ أن تنتظر من الأشخاص إكمال التدريب بأنفسهم بعد مغادرة الدورة، فلن تكون بذلك دورة تدريب تفاعلية يقودها مدرِّب.

الآن بعد أن حدَّدنا ماهيَّة التدريب سنتكلَّم عن طريقة جعل التدريب أكثر فاعلية؛ أولاً وقبل كل شيء يجب أن تُشرِك المتدربين بالمهارات الجديدة التي تعلِّمهم إياها؛ ممَّا يعني أنَّه يجبُ عليك جذب جميع حواسهم وإدماجهم بصورة كاملة في تعلُّم مهارات جديدة.

على سبيل المثال افترِض أنَّك تريد تعليم شخص ما طريقة الرسم؛ إذ يُمكِنُكَ أن تشرحَ للمتدرِّب طريقة استخدام الألوان في الرسم، ويُمكِنُكَ عرض العديد من الأعمال المُنجَزة التي رسمتَها من قبل، وكذلكَ عرض بعض اللوحات والأعمال الفنية، ويُمكِنُكَ حتى الرسم أمام المتدربين مباشرةً.

ما هو مقدار ما يُمكِنُك تحقيقه باستخدام هذه الأنواع من الأساليب فقط؟ يُمكِنُكَ زيادة وعي المتعلمين وتقديم أساليب مختلفة أو جعلهم مهتمين بالمهارات، ومع ذلك؛ ما لم يُمسِكوا الفرشاة ويرسموا شيئاً ما، فلن يعرفوا شيئاً عن الرسم أو ما الذي يُفترَض عليهم فعله عندما يمسكون الفرشاة بأيديهم؛ إذ يجبُ أن يعرفوا الزاوية التي يجب استخدامها للرسم، وأنواع المشكلات التي يُمكِنُ توقعها، وإذا لم يخُضْ المتدربون التجربة بأنفسهم، فمِن المُتوقَّع جداً أن ينسوا كل شيء عنها بعد فترة وجيزة من الدورة.

ينطبق الأمر نفسه على تعليم المهارات الناعمة؛ إذ يجب أن يجرِّبَ المتدربون المهارات بأنفسهم، ويُفضَّل أن يكون ذلك لعدَّة مرات قبل أن يتمكَّنوا من تعلُّم شيء جديد.

أهمية التكرار:

نعلمُ جميعاً أنَّه من خلال تكرار مهارة معيَّنة نتعلَّم المزيد عنها، وبسبب الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا؛ يبدو أنَّ التكرار هو أساس تعلُّم مهارات جديدة، والمثال التقليدي عن ذلك هو جعل المتدربين يتعلمون ويتذكَّرون أسماء بعضهم بعضاً. يُمكِنُ لاستراتيجية التكرار الصحيحة أن تُحدِثَ فارقاً كبيراً؛ على سبيل المثال يُمكِنُكَ استخدام لعبة الأسماء التي يُمكِنُ أن تساعد المتدربين على تذكُّر الأسماء حتى بعد مرور مدة طويلة على الدورة التدريبية.

بعد ذلك يجب أن تتحدَّثَ خلالَ الدورةِ عن مهارة معيَّنة عدَّة مرات ومن نواحٍ مختلفة، وفي الدورات التي تستمرُّ لعدَّة أيام يُمكِنُكَ إعادة النظر في الموضوع مراراً وتكراراً؛ إذ لا يُمكِنُكَ أن تتوقع من المتدربين أن يتذكروا ما قلته في اليوم الأول من الدورة إذا كانت هذه هي المرة الوحيدة التي ذكرتَ فيها ذلك.

في وقت لاحق عندما تزداد معرفة المتدربين سيكون لديهم فهم أفضل بكثير للموضوع؛ لذلك فإنَّ تكرار ما تقدمه سيجعله أكثر وضوحاً، وفي النهاية من السهل جداً إغفال أهمية بعض المعلومات إذا كانَ مجال التدريب بكامله غير مألوف بالنسبة إليك.

إشراك المتدربين في التدريب وتكرار المعلومات:

لتحسين دورتك التدريبية يجب عليك التفكير في إشراك المتدربين في موضوع معيَّن، كما يُمكِنُكَ أيضاً وضع استراتيجية للتحدُّث عن موضوع معيَّن عدة مرات بهدف تكراره في أثناء الدورة التدريبية.

هذا ما يفعله بعض المدربين؛ فبينما يهدفون إلى إشراك المتدربين في موضوع ما وتكرار المعلومات، ينتهي بهم الأمر بحشو الكثير من المعلومات في الدورة التدريبية، وفي ظل حماستهم لتحسين الدورة التدريبية عن طريق إشراك المتدربين والتكرار، سينتهي بهم الأمر بتغطية الكثير من المحتوى الذي يُمكِنُ أن يؤدي إلى فقدان التركيز، وقد يكون هذا أمراً مزعجاً؛ وذلك لأنَّه يعني أنَّ المتدربين قد ينتهي بهم الأمر إلى عدم تعلُّم شيء جيِّد بما فيه الكفاية؛ وذلك لأنَّهم ينتقلون من موضوع إلى آخر ومن نشاط إلى آخر.

ستؤدي كثرة المعلومات في النهاية إلى إرهاق المتدربين وفي نهاية الدورة التدريبية لن يتذكَّروا شيئاً، كما تزداد المشكلة بسببِ حقيقة أنَّ المدرِّب المُطَّلِع عادةً ما يعرف المحتوى جيداً وينسى ببساطة الوقت الذي يحتاج إليه المتدربون لتعلُّمه من الصفر، وبدلاً من إتاحة الوقت للمتدربين لاستيعاب المحتوى تماماً كما قد قضى هو ساعات عليه، يستمر في إعطائهم المزيد من المعلومات.

كيفَ تتجنَّب حشو الكثير من المعلومات؟

لتجنُّب تقديم الكثير من المعلومات والمحتوى للمتدربين؛ يجبُ عليك أن تختار ما تريد تدريبه، وهذا الأمر صعب لأنَّه يعني أنَّك تحتاج إلى أن تكون انتقائياً، ويجب عليك أن تقرِّر ما إذا كنتَ ستُغطي موضوعاً بالكامل أم يجب عليك تخطِّيه تماماً.

تُوجَدُ مجموعة من المعلومات والمهارات التي تُعَدُّ خبيراً فيها كمدرِّب، ويجب عليك تدريب عدد من المتدربين على هذه المهارات؛ لذلك يجبُ عليك التخلُّص من المحتوى غير الضروري والتخلُّص من الأجزاء غير الهامة التي لن يتذكرها المتدربون والتي تُسبِّبُ لهم الارتباك.

بالنسبة إلى التدريب؛ تُوجَدُ حاجة إلى وقتٍ لتلخيصِ المعلومات ومن ثم تغطية مواضيع أخرى على نطاق أوسع، حتى يصبح المتدربون في نهاية التدريب ماهرين في شيء جديد، وهذا يعني أنَّك قد تغطي عدداً أقل من المواضيع، ولكنَّك على الأقل تتأكد من أنَّهم تعلموا هذه المواضيع بصورة أكثر شمولاً.

فكِّر في الأساليب الآتية:

  1. إضافة عدة نشاطات لكلِّ موضوع هام: إذا كان الموضوع هاماً، فلا تعتمد على نشاط واحد فقط.
  2. وجود وقت للتلخيص بين الدروس: يجب عليك إتاحة وقت للتلخيص، وبمجرد تلخيص الدرس الحالي حاوِلْ ربطه بما سبق وبما ستقدِّمه فيما بعد، ويجب عليك السماح للمتدربين أيضاً بالتعبير عمَّا تعلَّموه بكلماتهم الخاصة.
  3. استخدم الألعاب والاختبارات والعروض التوضيحية والنشاطات الجماعية التعاونية: سيُساعدُكَ هذا على إشراك المتدربين في موضوع معيَّن والاستمرار في التركيز في هذا الموضوع.

في الختام:

امنَح المتدربين وقتاً للتفكير في المهارات التي تعلَّموها، ولا تقدِّم لهم الكثير من المعلومات، واجعلْهم مهتمين بما تقدِّمه لهم واستبعد المحتوى غير المفيد من الدورة لزيادة التركيز في الأجزاء الأخرى، وعندها فقط ستكون قادراً على تقديم دورة تدريبية يتعلَّم فيها المتدربون مهارةً بدلاً من تقديم فكرة.