لسنوات طوال، رأى الخبراء في الإنترنت مستقبل التدريب، حتى حلت جائحة "كوفيد- 19" (Covid- 19) عام 2020، واضطر الجميع إلى نقل نشاطاتهم وأعمالهم وتدريباتهم إلى البيئة الافتراضية فجأة وعلى وجه السرعة، وتعيَّن على المختصين تعديل برامج التدريب على أرض الواقع بما يتناسب مع متطلبات الفضاء الافتراضي، وكان الانتقال صعباً للغاية من جهة وضرورياً لا يحتمل التأجيل من جهة أخرى.

توجد طرائق عدة مستخدَمة لضمان تحقيق أهداف التدريب عبر الإنترنت في البيئات الافتراضية، ولقد نجح المدرِّبون في التأقلم مع الوضع الجديد وتحقيق النتائج المطلوبة من برامج التدريب على الرغم من صعوبة النقلة؛ لذا يبحث المقال في أساليب تصميم وإجراء التدريبات عبر الإنترنت وهو موجَّه لكل من المدرِّبين المبتدئين والخبراء في البيئات الافتراضية.

تعريف التدريب الافتراضي:

يمكن تعريف التدريب الافتراضي على أنَّه أحد أشكال التدريب الذي يجري ضمن البيئة الافتراضية، فلا تسمح التكنولوجيا الحالية بإجراء تجارب تدريب حيَّة يشارك فيها الفرد بشكل واقعي مثلما يحدث في أفلام الخيال العلمي؛ وإنَّما يُقصَد بالتدريب الافتراضي إجراء التدريب عبر الإنترنت باستخدام منصات مثل "زووم" (Zoom)، و"فِرَق مايكروسوفت" (Microsoft Teams) بهدف تقديم تجربة مشابهة للتدريب الذي يجري على أرض الواقع.

تكون التدريبات الافتراضية مباشرة في معظم الحالات، بحيث يتَّفق كل من المدرِّب والمتدربين على استخدام منصة مشتركة والتفاعل مع بعضهم في نفس الوقت؛ إذ تنجح التدريبات الافتراضية عندما تتيح للمشاركين إمكانية إجراء نقاشات حية، وتطبيق المهارات، وطرح الأسئلة، ومشاركة خبراتهم وتجاربهم مع خبراء المادة.

فوائد التدريب الافتراضي:

يقدِّم التدريب الافتراضي فوائد وتسهيلات عدة لكل من القادة والمشاركين والمدربين، وفيما يأتي 4 فوائد للتدريب الافتراضي:

1. توفير الميزانية:

يتفوق التدريب الافتراضي على نظيره الذي يتم على أرض الواقع من ناحية توفير النفقات والوقت؛ إذ توفِّر المؤسسة في حالة التدريب الافتراضي نفقات السفر، والوجبات، والمواصلات، والفنادق، فضلاً عن تخفيض تكلفة التدريب بحد ذاته، ويمكن استثمار هذه النفقات الإضافية في تحسين جودة التدريب، كما تساهم البيئة الافتراضية في تخفيض نفقات التدريب للموظف الواحد، بحيث يتسنى للمؤسسة زيادة عدد الموظفين المشاركين في التدريب دون زيادة الميزانية المخصصة له.

2. زيادة فاعلية التدريب:

تستغرق جلسات التدريب الافتراضية وقتاً أقل من ورشات العمل التي تجري على أرض الواقع، ويتيح التدريب عبر الإنترنت إمكانية تجزئة البرنامج إلى جلسات قصيرة وسهلة الاستيعاب بحيث يتم التركيز على موضوعات ووحدات المحتوى الرئيسة دون حذف أو إغفال أيٍّ منها.

3. زيادة مستوى التفاعل والمشاركة:

يعتقد بعضهم أنَّ التدريب الافتراضي لا يتيح إمكانية التفاعل بين المشاركين، وهذا اعتقاد خاطئ تماماً؛ إذ تقدِّم منصات التدريب الافتراضي أدوات تفاعلية تحاكي الواقع مثل النقاشات الجماعية والمحادثات واستطلاعات الرأي، كما تخفف البيئة الافتراضية من مشاعر التوتر والقلق التي تمنع بعضهم من المشاركة خلال جلسات التدريب على أرض الواقع.

تتيح التدريبات الافتراضية من ناحية أخرى إمكانية تبادل المعارف والخبرات بين المشاركين، وهو ما يزيد من مستوى التعاون والتفاعل ضمن الجلسات، وقد أثبت العمل عن بعد فاعليته في زيادة الإنتاجية، ومن المتوقع أن تتجه مزيد من الشركات لنظام العمل عن بعد ولو بشكل جزئي على الأقل خلال الفترة المقبلة.

تساهم جلسات التدريب الافتراضي في تحضير الموظفين وتهيئتهم للعمل عن بعد في المستقبل، وهو ما يؤدي إلى زيادة قدرة القوى العاملة على التأقلم مع التغيرات المستقبلية في نظام العمل.

4. تطبيق التدريب المتباعد:

قد يجري التدريب الافتراضي بشكل ذاتي بناءً على رغبة المتدرِّب ووقت فراغه، أو وفق خطة زمنية محددة بقيادة المدرِّب، أو عن طريق الجمع بين الطريقتين؛ إذ تتيح البيئة الافتراضية لجميع الموظفين بالتساوي إمكانية حضور التدريب؛ أي يمكن تجزئة برنامج التدريب إلى وحدات صغيرة بحيث يتسنى للمشاركين إمكانية الحصول على بعض مواد التدريب أو حضور عدد من الجلسات المسجَّلة بما يتناسب مع جدول أعمالهم.

تزداد نسبة احتفاظ المشاركين بالمعلومات بنحو 200% عند تطبيق التدريب المتباعد الذي يقتضي تجزئة البرنامج إلى وحدات تدريبية صغيرة يفصل بينها عدد من الاستراحات.

الانتقال إلى التدريب الافتراضي:

يدرك معظم المدربين في الوقت الحالي أهمية وفوائد الانتقال لنظام التدريب الافتراضي، ولكنَّهم يواجهون بعض الصعوبة عند إجراء هذه النقلة النوعية، فيجب النظر في عدد من الاعتبارات قبل الانتقال إلى البيئة الافتراضية من أجل ضمان حسن سير عمليات التدريب وتحقيقه للجودة المطلوبة بالنسبة إلى جميع الحاضرين، وفيما يأتي 5 خطوات للانتقال إلى البيئة الافتراضية:

1. تحسين تصميم برنامج التدريب:

قد تبرز بعض الثغرات في برامج التدريب عند الانتقال للبيئة الافتراضية، ويحدث هذا بسبب عدم توافق بعض الجزئيات مع بيئة التدريب الافتراضية، ووجود هذه الثغرات طبيعي تماماً بسبب النقلة النوعية في بيئة وطريقة تقديم التدريب، ولا داعي لأن تشعر بالإحباط بسبب هذه الثغرات؛ وإنَّما يجب عليك أن تتعامل معها وتتجاوزها بكل بساطة.

قد تكتشف على سبيل المثال أنَّ البيئات الافتراضية تناسب طرائق التدريس الاستقرائية التي تجري عبر تقديم تحديات تساعد المتدربين على استنتاج القوانين والأفكار عوضاً عن تلقين المعلومات الجاهزة باستخدام أساليب التدريس التقليدية؛ لذا يجب استخدام تقنيات تدريب تفاعلية تحافظ على اندماج ومشاركة المتدربين من أجل التغلب على العوائق التي تفرضها البيئات الافتراضية والتباعد الجسدي بين المشاركين.

2. إجراء التعديلات على مدة ونشاطات التدريب:

يجب إجراء بعض التغييرات والتعديلات على برامج التدريب حتى تصبح مناسبة للبيئات الافتراضية، فثمة اختلافات جذرية بين وسط التدريب الواقعي ونظيره الافتراضي، وهذا يعني أنَّ تغيير بيئة التدريب يتطلب إجراء بعض التعديلات على تصميم البرنامج.

يمكن التذكير هنا بالنقلة النوعية التي حدثت عند اختراع التلفاز، فعندما بدأ العاملون في الإذاعة بالظهور على محطات التلفاز، فإنَّهم اكتفوا بقراءة نصوصهم كما لو أنَّ آلة "الكاميرا" غير موجودة.

لقد حدثت تغييرات جذرية على البرامج والعروض التلفزيونية منذ اختراع التلفاز وحتى الوقت الحاضر، ولا بدَّ من حدوث تغييرات مشابهة عند الانتقال من البيئة الواقعية إلى الافتراضية، فقد يتطلب تطبيق التدريب الافتراضي استخدام مزيد من النشاطات التفاعلية، والعناصر البصرية، والعروض التقديمية المبتكرة بالمقارنة مع إجراءات التدريب على أرض الواقع.

يُفضَّل تجزئة المحتوى إلى وحدات صغيرة تُعطَى خلال جلسات قصيرة وفق برنامج يتضمن عدداً أكبر من الاستراحات القصيرة التي تفصل بين الجلسات؛ إذ يحتاج المتدرب إلى درجة عالية من التركيز عند متابعة العروض التقديمية والشروحات عبر الإنترنت بالمقارنة مع التركيز المطلوب عند حضور التدريب على أرض الواقع، ويجب تشجيع المشاركين وتقديم تغذية راجعة منتظمة للمحافظة على تفاعلهم وضمان سير برنامج التدريب بسلاسة عبر البيئة الافتراضية.

3. استخدام الأدوات التي توفِّرها المنصات الافتراضية:

تقدِّم المنصات الافتراضية مجموعة متنوعة من الأدوات المصممة من أجل زيادة تفاعل ومشاركة المتدربين خلال الجلسات، فلا يجب استخدام هذه الأدوات بهدف إبهار الحاضرين وشد انتباههم وحسب؛ وإنَّما يُفضَّل اختيار تمرينات مدروسة، وموضوعية، ومتعلقة بمحور التدريب وتخدم أهدافه.

يمكنك استخدام أدوات استطلاع الرأي، والكتابة التعاونية، وتمرينات الأسئلة والأجوبة، وغرف الدردشة لإجراء النقاشات بين مجموعة صغيرة من المشاركين، مع الحرص على استخدام هذه الميزات من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة في الوقت المناسب.

يحتاج المدرب إلى الاعتياد على استخدام أدوات الشرح التي تساعده على توجيه انتباه المتدربين مثل السهم، أو رسم دائرة حول فكرة معيَّنة، أو تظليلها بلون مختلف لإبرازها وتوجيه تركيز المتدربين نحوها؛ إذ تضفي هذه الأدوات عنصر الحيوية والتفاعل على التدريب الافتراضي.

4. تطبيق التدريب المُدمَج:

تزداد فاعلية التدريب الافتراضي عند استخدام نهج التعلم المدمَج، ويتم ذلك عن طريق دمج الجلسات الحية المباشرة مع نشاطات التدريب السابقة واللاحقة للجلسات، وقد تشمل هذه النشاطات الإضافية قراءة المقالات، أو التدوينات، أو مشاهدة التمثيلات البصرية، أو إنجاز مهام إضافية، أو الاستماع للتدوينات الصوتية، وثمة عدد كبير من النشاطات الافتراضية التي قد تزيد من فاعلية الدورات التدريبية.

يميل معظم الأفراد إلى تنظيم وقتهم واستثماره بفاعلية عن طريق الانضمام للتدريبات الافتراضية، فيضطر المتدرب لهدر كثير من الوقت في المواصلات في حالة حضور التدريبات على أرض الواقع.

فضلاً عن أنَّ التحضيرات السابقة واللاحقة للجلسات تتيح للمدربين والمتدربين إمكانية استثمار وقتهم بفاعلية أكبر خلال الجلسة بحد ذاتها، وتخصيص الوقت اللازم لإجراء عمليات التقييم، والتحليل، والنقاش، ومراجعة الأمثلة، فلا يتسنى للمدرِّب الوقت الكافي لإجراء هذه العمليات في بيئة التدريب على أرض الواقع.

5. تقديم الدعم التقني اللازم للمدربين:

يُفضَّل تزويد المدربين بالمساعدة التقنية اللازمة لتوفير الوقت وزيادة فاعلية التدريب الافتراضي؛ إذ تساهم هذه الإجراءات في تخفيف الضغط النفسي الواقع على عاتق المدربين بسبب ترتيبات وإجراءات إدارة الجوانب التقنية والتنظيمية للمنصات الافتراضية، وقد تشمل هذه المساعدات التقنية حجز الجلسات، وتحديد آداب السلوك والتعامل عبر الإنترنت، والترحيب بالمشاركين، وتقديم مقطع فيديو مختصر عن كيفية التعامل مع المنصة، وإنهاء الجلسة على سبيل المثال.

قد يواجه المدرِّب بعض المشكلات التقنية في أثناء إجراء الجلسات الافتراضية، لهذا السبب يُنصَح بوجود مساعد متخصص في حل المشكلات التقنية، حتى يتسنى للمدرب أن يركز تركيزاً كاملاً على قيادة الجلسة وتلقين المعلومات للحاضرين.

في الختام:

لقد قدَّم الجزء الأول من المقال مقدمة شاملة عن التدريب الافتراضي وفوائده والخطوات اللازمة لإجرائه، ويبحث الجزء الثاني والأخير منه في طرائق زيادة مشاركة وتفاعل الحاضرين في جلسات التدريب الافتراضي.