لا بدَّ أن يكتسب الفرد خلال حياته معرفة وافية عن موضوع ما، ويصبح خبيراً في مجاله، وقد يحصل على وظيفة في مجال التعليم في نهاية المطاف؛ إذ يتعيَّن على العامل في مجال التعليم سواء كان كوتشاً أم مدرِّباً أن يتقن مهارات وأساليب التدريس؛ لذا يقدِّم المقال مجموعة من النصائح التطبيقية التي يحتاج إليها العاملون في مجال التعليم.

إنَّ خبرتك في أحد المجالات وسعة اطلاعك أو إتقانك لمهارة ما لا يعني بالضرورة أنَّك ستكون بارعاً في تدريسها، وقد يعتقد بعض الأفراد أنَّ الإلمام ببعض الإجراءات والتقنيات العامة يؤهلهم لتدريب وتدريس الآخرين، وينجم عن هذا الاستهتار بمتطلبات التدريس عملية تعليمية تفتقر إلى الجودة والأداء المطلوبين؛ وبالنتيجة يحصل المدرِّب على تغذية راجعة سلبية من طلابه.

يقدِّم المقال مجموعة من النصائح المتعلقة بمجال التدريس بشكل مختصر، وقد تم التركيز على الأفكار والمفاهيم الهامة، مع مراعاة ترقيم النصائح حتى يسهل على القارئ العودة إليها، وتم إرفاق النصائح بمجموعة من الأسئلة حتى يتسنى للمعلم أن يقيِّم أداءه؛ لذا يُنصَح بالعودة إلى النصائح الواردة في المقال بعد إنهاء التدريب، حتى تقوم بتقييم أدائك عبر الإجابة عن الأسئلة الواردة في كل قسم، وتحسينه عن طريق الالتزام بتطبيق الإجراءات والتعديلات التي تراها مناسبة.

تضمن لك النصائح الواردة في المقال إمكانية تقديم دورات تدريبية ناجحة، وقد تكمن مشكلة معظم المدربين في جهلهم للمفاهيم الأساسية في أثناء تقديم محتوى التدريب؛ لهذا السبب، يجب عليك أن تطبق هذه المفاهيم مرة تلو أخرى حتى تصبح عادة راسخة وجزءاً أساسياً في دوراتك التدريبية؛ إذ يساعدك التكرار على ترسيخ هذه المفاهيم في ذاكرتك بحيث يتسنى لك أن تركز على المتدربين بدل أن تشغل بالك بأساليب التدريب.

18 نصيحة فعالة لتحسين الدورات التدريبية:

فيما يأتي 18 نصيحة فعالة لتحسين الدورات التدريبية:

1. لا تعتمد على خبرتك بموضوع الدورة التدريبية في تقييم مدى براعتك في مجال التدريب:

قد يولع الفرد بموضوع ما ويقرر أن يبحث فيه ويتعلم أكبر قدر ممكن من المعلومات عنه، ويجري نقاشات متنوعة مع زملائه ومعارفه، وينتهي به المطاف في تكوين آراء سديدة واكتساب خبرة واسعة عمَّا يجب أن تكون عليه الأمور في موضوع اهتمامه وعن مستقبله.

هذه الخبرة والمعرفة الواسعة بالمجال لا تؤهل الفرد للعمل في مجال التدريب، فالتدريب مهارة مختلفة ومستقلة بحد ذاتها، وإنَّ خبرة الفرد بالمجال لا تعني أنَّه قادر على نقل معلوماته ومعارفه إلى الآخرين بفاعلية، ومع ذلك، يصر بعضهم على خوض مجال التدريب على الرغم من افتقارهم إلى المهارات المطلوبة.

يقتضي التدريب الناجح تلقين مجموعة من المهارات والمعارف بفاعلية خلال فترة زمنية محددة بطريقة تتيح للمتدرب إمكانية ترسيخ المعلومات على الأمد الطويل.

لا يهتم الطالب بكونك خبيراً أو ضليعاً في المجال؛ بل بمدى قدرتك على تلقين المعلومات، ومساعدته على اكتساب المهارات والخبرات التي يحتاج إليها، وشرح المعلومات بأسلوب مبسط وواضح وقابل للفهم بسهولة.

فيما يأتي 4 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • ما هو مقدار الوقت الذي تخصصه لتعلُّم تقنيات التدريب والتدريس؟
  • هل تمارس الكوتشينغ الذاتي؟
  • هل تخضع لبرنامج كوتشينغ من قِبل مدربين أو مدرسين خبراء في مجال التدريب؟
  • هل تحرص على تنمية مهارات التدريس مع مرور الوقت وتطوير تقنيات التعليم؟ أم ما زلت تستخدم أساليبك القديمة؟

2. احرص على تأمين بيئة تدريب آمنة تتيح للطلاب إمكانية اقتراف الأخطاء بأريحية:

أحياناً يقوم المدرِّب بمعاقبة الطالب على الخطأ الذي اقترفه أمام بقية أقرانه، ليبين لهم الخطأ من الصواب، ويدل هذا الأسلوب على جهل المدرِّب وافتقاره إلى مهارات التدريب اللازمة، كما يؤدي إلى شعور الطالب بالاستياء والنفور.

يجب أن تؤمِّن للطلاب بيئة تدريب مريحة تتيح لهم إمكانية اقتراف الأخطاء، وطرح الأسئلة التي تخطر لهم مهما بدت سخيفة وغير منطقية، وإياك أن تسخر من أخطاء الطالب أو تحرجه أمام زملائه.

يجب عليك أن تحترم تساؤلات الطلاب ووجهات نظرهم وتفاعلاتهم مع المحتوى الذي تقدِّمه سواء كانت جيدة أم سيئة، ولا تسخر منهم أو تستخف بأفكارهم؛ بل يجدر بك أن تحتوي الطلاب وتكون متفهماً وصبوراً خلال الجلسات.

إياك أن تعتقد أنَّ أحد الطلاب عاجز عن تعلُّم مهارة ما بسبب ضعف إمكاناته؛ وإنَّما يجب عليك أن تدرك اختلاف سرعة الاستيعاب وأسلوب التعلم المناسب من طالب إلى آخر، ولا تحكم على الطالب من سرعة استيعابه وتعلُّمه في بداية التدريب؛ وذلك لأنَّ كثيراً من الطلاب يتخلفون عن أقرانهم في البداية، ولكنَّهم يتفوقون عليهم في نهاية الدورة التدريبية.

فيما يأتي 3 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • هل يطرح طلابك تساؤلاتهم بأريحية دون أن يخشوا التعرض للسخرية؟ وكيف تتفاعل معهم؟
  • كيف تبيِّن لطلابك أنَّ اقتراف الأخطاء مسموح؟
  • كيف تتعامل مع الطالب عندما يقترف خطأ ما؟

3. وفِّر بيئة تدمج الطلاب بالنشاط التعليمي دون وجود المشتتات:

يعاني معظم الأفراد من تشتت الانتباه، وميلهم إلى استخدام مصادر التشتيت والإلهاء في أثناء التدريبات، فيجب على المدرِّب أن يكون صارماً بشأن السلوكات المرفوضة؛ لأنَّها تنتقل بسرعة من طالب إلى آخر، وتؤدي إلى فقدان التركيز وخروج الجلسة عن السيطرة، كما يحدث عندما يستخدم أحد المتدربين هاتفه الذكي ويبدأ بقية الطلاب باستخدام هواتفهم تباعاً حتى تخرج الجلسة عن سيطرة المدرِّب.

قد تعتقد أنَّ البالغين يجب أن يحسنوا التصرف من تلقاء أنفسهم، ولكنَّ هذا غير صحيح، لذلك يجب عليك أن تكون صارماً ولبقاً في آنٍ معاً عندما تتعامل معهم، وتركز على النتائج النهائية المطلوبة من التدريب بدل أن تحاول فرض شخصيتك وسلطتك على المتدربين والتباهي بخبرتك ومعرفتك أمامهم.

يجب عليك أن تفرض احترامك وتوضح لهم ضرورة الالتزام بقواعد التدريب والسلوكات المرفوضة ضمن الجلسات مثل استخدام الأجهزة الذكية التي تشتت الانتباه على سبيل المثال.

ينبغي أن تصمم بيئة تدريب محفِّزة ومليئة بالصور، والأدوات، والمواد المتعلقة بالنشاط التعليمي حتى تثير انتباه الطلاب وتحفزهم على الاندماج بموضوع الدرس.

هذان سؤالان لتقييم مهارات التدريب:

  • هل بيئة التدريب ملائمة للتدريس؟ وكيف يمكنك تحسينها؟
  • كيف تتعامل مع مصادر التشتيت في بيئة التدريب؟

4. ابذل جهدك في نقل حماستك ومعارفك إلى الطلاب:

لا يختلف المدرِّب الناجح عن نظيره العادي بخبرته في المجال أو سعة اطلاعه؛ بل بشغفه وحماسته حيال الموضوع وأساليب تلقينه وشرحه للطلاب.

ينتقل شعور الحماسة من المدرِّب إلى الطلاب؛ لهذا السبب يجب عليك أن تقدِّم معلومات مشوقة تثير حماستهم، وتحدِّثهم عن وجهات نظرك والتقدم الذي تتوقع أن يشهده المجال في المستقبل، وتساعدهم على تحديد أهدافهم، واستثمار جهودهم في تحقيق إنجازات بارزة تؤثر في مستقبل المجال.

فيما يأتي 3 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • هل كان الطلاب متحمسين حيال الموضوع الذي قدَّمته؟
  • هل شاركتهم قصة أثارت إعجابهم وزادت اهتمامهم بالموضوع؟
  • هل أتحت لهم فرصة تطبيق التقنيات أو استخدام الأدوات والشعور بمتعة القيام بعمل ما للمرة الأولى؟

5. أكِّد الحاجة إلى التدريب واشرح فوائده:

يشترط نجاح تدريب البالغين إقناعهم بالحاجة إلى التدريب ودوره في مساعدتهم على تحقيق أهدافهم، فلا يمكن أن يلتزم الفرد البالغ بالدورة التدريبية ما لم تبيِّن له أسباب حاجته إلى إجرائها.

يغفل عدد كبير من المدربين عن تقدير أهمية هذه الخطوة، ويتم تجاهلها في معظم الدورات التدريبية؛ إذ يقوم المدرِّب في مثل هذه الحالة بشرح المواد التدريبية مباشرةً دون التطرق لأهداف الدورة التدريبية وتطبيقاتها في الحياة العملية؛ لهذا السبب، يفقد المتدربون اهتمامهم، وينفرون من التدريب، ويعجزون عن التركيز خلال الجلسات، فيجب أن توضح للمتدربين أهم الجوانب في مجال معين ليعرفوا ما عليهم التركيز عليه وما عليهم إتقانه.

فيما يأتي 3 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • هل تتبع نهج معيَّن لشرح الحاجة إلى التدريب في بداية كل جلسة أو عندما تعتزم طرح موضوع جديد؟
  • ما هي أهم الموضوعات التي يجب تغطيتها خلال البرنامج التدريبي؟ وهل تعطي الموضوعات الهامة حقها من الوقت والجهد؟
  • هل تشرح للطلاب فوائد وأهداف محاور التدريب وتطبيقاته في الحياة العملية؟

6. اشرح بشغف وحماسة:

تنعكس مشاعر الأفراد وأفكارهم على تصرفاتهم ومحياهم؛ لهذا السبب، يجب أن تعي قدراتك وإمكاناتك، وتتفهم طلابك، وتحدد احتياجاتهم التدريبية، وتشرح بكل ما أوتيت من الحماسة والشغف، وفي حال كان موضوع التدريب جافاً ومملاً، عندئذٍ يمكنك أن تبحث عن معلومات مشوقة، أو تبتكر أفكاراً تثير اهتمام وحماسة الطلاب.

فيما يأتي 3 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • هل شعرت بالحماسة في آخر دورة تدريبية أجريتها؟
  • هل كنتَ تقدِّم المحتوى التدريبي بغرض الحصول على المال وحسب؟
  • هل استمتع الطلاب بالدورة التدريبية؟

7. طبِّق مجموعة من الأساليب التعليمية ولا تتعامل مع جميع الطلاب بنفس الطريقة

يتعلم الأفراد وفق أساليب وأنماط مختلفة؛ لهذا السبب، يجب عليك أن تكون مرناً ولا تستخدم نفس الأسلوب مع جميع الطلاب، فقد يميل المدرِّب إلى استخدام أسلوب التعلم الخاص به في الدورات التدريبية التي يقدِّمها مفترضاً أنَّ الطلاب سيفهمون عليه.

يجب عليك أن تأخذ في الحسبان اختلاف أنماط التعلم والاحتياجات التدريبية للطلاب، وتستخدم النظام التعليمي الرسمي الذي تراه مناسباً.

فيما يأتي 4 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • ما هي الأنظمة التعليمية التي استخدمتها في دوراتك التدريبية واكتشفت أنَّها تتوافق مع مختلف أنماط التعلم؟
  • هل تحرص على الإحاطة بكافة أنماط التعلم؟
  • هل سبق أن واجه أحد طلابك مشكلة في فهم المحتوى لأنَّ أسلوبك لم يتوافق مع نمط تعلُّمه؟ وكيف تعاملتَ مع الوضع؟
  • ما هو نمط التعلم الخاص بك؟ وهل تعتمد على هذا النمط اعتماداً رئيساً في دوراتك التدريبية؟

8. احرص على توضيح الموضوعات المعقدة وتبسيطها:

يضطر المدرِّب في بعض الأحيان إلى طرح موضوعات معقدة لا يمكن أن يفهمها الطالب بسهولة من خلال الشروحات المقتضبة، فلا يجب عليك أن تشرح الموضوعات الصعبة دفعة واحدة؛ وإنَّما يُستحسَن أن تجزئها إلى وحدات صغيرة وتبذل جهدك في تبسيط الأفكار ما أمكن.

في حال واجه الطلاب صعوبة في فهم الموضوع، عندئذٍ يجب عليك أن تجزئه إلى وحدات صغيرة قابلة للاستيعاب، وتحاول شرحه باستخدام مصطلحات مفهومة وبسيطة، وتطبق الأساليب والتقنيات التعليمية التي تساعد الطلاب على فهم المحتوى.

من غير المنطقي أن تقدِّم مقداراً كبيراً من المعلومات بما يتجاوز قدرة الطالب على الاستيعاب؛ أي يجب عليك أن تركز على توضيح الأفكار وتبسيطها، لا على حجم المحتوى.

يجب عليك أن تجزِّئ المحتوى، وتبسطه، وتشرحه بوضوح، لكن تكمن المشكلة في صعوبة تبسيط وتوضيح بعض الموضوعات المعقدة؛ لهذا السبب يجب عليك أن تعدَّ خطة عمل شاملة، وتختار الأساليب والتقنيات المناسبة بناءً على الدورات التدريبية التي أجريتها في السابق، وتحرص على تقديم أمثلة توضيحية.

إياك أن تنتقل إلى محور جديد قبل أن يفهم جميع الطلاب الموضوع السابق بحجة عدم توفُّر الوقت الكافي لتقديم مزيد من الشروحات، مفترضاً أنَّ الفكرة تتجاوز قدرتهم على الاستيعاب، أو أنَّها لا تستحق العناء، فأنت المسؤول عن توضيح الأفكار للطلاب عندما يتعذر عليهم فهمها.

مثال:

على فرض أنَّك سجلت في دورة تدريبية عن أحد موضوعات علم الميكانيكا، وكان المحاضر يعتزم شرح مفهوم "عزم الدوران"، فقد يخطر لك أنَّه سيبدأ بشرح قوانين العالم "نيوتن" (Newton) في الفيزياء، ومعادلات حركة الأجسام كما تجري العادة مع معظم المدرسين، وهذا الأسلوب صعب الفهم وغير واضح بالنسبة إلى معظم الطلاب.

ولكنَّ المحاضر اعتمد نهجاً مختلفاً، وأحضر معه عجلة دراجة هوائية، وقام بتدويرها وشرح آلية تأثير وعمل القوى في أثناء دوران العجلة، فيستطيع الطالب في هذه الحالة ملاحظة عمل قوى الطرد المركزية والجاذبية، ومفهوم عزم الدوران، ثم انتقل المحاضر إلى شرح آلية تطبيق عزم الدوران في الأقمار الصناعية، فلا بدَّ أن يستمتع الطالب بالمحاضرة في مثل هذه الحالة، ويستوعب المعلومات بسهولة ويتذكرها على الأمد الطويل.

هكذا يتم تبسيط المعلومات وشرحها بطريقة مبتكرة تشد انتباه الطالب، فهذا الأسلوب غير مكلف ولا متعب ولا يتطلب استخدام معدات خاصة، فيجب على المدرِّب بكل بساطة أن يبحث عن أساليب وتقنيات تبسِّط الأفكار وتجذب انتباه واهتمام الطالب.

فيما يأتي 5 أسئلة لتقييم مهارات التدريب:

  • هل سبق أن تطلَّب أحد موضوعات الدورة التدريبية وقتاً أطول مما توقعت؟
  • ما هي الأساليب التي تستخدمها لزيادة فاعلية عملية التدريس؟
  • هل تحرص على شرح الموضوعات المعقدة باستخدام مجموعة طرائق تناسب مختلف أنماط التعلم؟
  • ما هي المواد والأدوات والتقنيات التي تستخدمها لتبسيط الموضوعات المعقدة؟

يجب عليك أن تطرح على نفسك الأسئلة الآتية عند التحضير لشرح موضوع معقد:

  • كيف يمكن تبسيط الموضوع وجعله أكثر قابلية للفهم؟
  • كيف يمكن شرح الموضوع بأسلوب ممتع؟
  • كيف يمكنني أن أوضح الأفكار أكثر؟
  • هل ثمة موضوعات معيَّنة يصعب على بعض الطلاب فهمها؟ وما هي الأساليب التي تستخدمها لتبسيط الموضوع في هذه الحالة؟

في الختام:

لقد قدَّمنا في الجزء الأول من المقال مجموعة من النصائح الفعالة لتحسين جودة الدورات التدريبية، وأرفقنا النصائح بعدد من الأسئلة لمساعدة المدرِّب على تقييم أدائه وتحسينه، ويمكنكم الاطلاع على بقية النصائح في الجزء الثاني والأخير من المقال.