ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن خبيرة التعلُّم الإلكتروني "هاري سافاج" (Harri Savage)، وتشاركنا فيه 3 خطوات للتخفيف من أثر الصدمات النفسية المرافقة لإعداد الدورات التدريبية، إضافة إلى دعم أعضاء فريق العمل.

لا يخطر لأحد أنَّ مهنة تصميم البرامج التدريبية تقتضي التعرض للصدمات النفسية، فيضطر المدرِّب في الواقع إلى التعامل مع موضوعات وحوادث أليمة تؤثر سلباً في سلامته النفسية وسلامة باقي أعضاء الفريق في بعض الأحيان.

أحياناً يضطر مصمِّم البرامج التدريبية إلى التعامل مع موضوعات وحوادث أليمة ومأساوية بغية إعداد تدريب فعال، ومن هنا برزت الحاجة إلى البحث في طرائق رعاية المصمِّم والحفاظ على صحته النفسية.

تقتضي وظيفة بعض المدربين التحقيق في حوادث الصحة والسلامة المهنية وإجراء المقابلات مع شهود العيان، وهو ما يؤدي إلى شعور المدرِّب بالضيق والتعب النفسي، ورغبته في أخذ استراحة قصيرة من العمل.

لم يخطر لي أن أتعرض لمثل هذه المواقف الصادمة في أثناء عملي في تصميم برامج التدريب، وكنت أعمل في مشروع لمساعدة إحدى الشركات في تطبيق سلوكات وإجراءات الحفاظ على الحياة بعد حصول حادثة وفاة ضمن الورشة.

انتابني الذعر عندما اطلعت على تقرير المحقق وإفادات الشهود من أصدقاء وزملاء الضحية.

إنَّ كونك موضع ثقة، وتخصصك في مجال معيَّن، ومشاركتك في جميع عمليات المؤسسة والتعاون مع خبراء المادة يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدَّين، ويعتمد عليك المعنيون من جهة في الحصول على الحلول التي يحتاجون إليها بناءً على المعلومات، والكتيبات الإرشادية، والخبرات المتوفرة لديهم، لكنَّهم لا يدركون من جهة أخرى أنَّك غير معتاد على التعاطي مع المواد والمواقف المأساوية، ولم تخضع لتدريبات تؤهِّلك للتعامُل مع الأذى النفسي المصاحب لتأدية بعض المهام، فضلاً عن أنَّك مضطر لمواجهة الموقف وحدك دون أن تتلقَّى الدعم النفسي الذي تحتاج إليه.

يميل الإنسان بطبيعته للتعاطف مع مشاعر الآخرين، والأحداث والتجارب التي يتعرضون لها في حياتهم، وهو ما يتيح له إمكانية التواصل الاجتماعي، وبناء العلاقات، ويدفعه إلى تقديم المساعدة والدعم النفسي، وتقتضي وظيفة المصمِّم في بعض الأحيان التعاطف مع قصص حقيقية لأشخاص تعرضوا لأحداث صادمة وأليمة في حيواتهم واستخدامها في إعداد برامج تدريب تساعدهم على تحسين وضعهم، وتضمن عدم تكرار هذه الحوادث في المستقبل.

تكمن المشكلة في الأذى النفسي الذي يتعرض له المصمِّم عند التعامل مع هؤلاء الأشخاص والتعاطف معهم.

الصدمة غير المباشرة(Vicarious trauma):

تنجم الصدمة غير المباشرة عن التعامل مع أشخاص تعرضوا لحوادث أليمة في حياتهم، كما يُطلَق عليها اسم الصدمة الثانوية عندما يكون تأثيرها قصير الأمد وتتسبب بشعور الفرد بالحزن أو الغضب لمدة وجيزة، وتغير الصدمة غير المباشرة نظرة الفرد تجاه الحياة والعالم من حوله عندما تؤثر فيه على الأمد الطويل.

لا يجب أن تتجنب التعامل مع الصدمة في أثناء العمل على مواد تدريب مؤذية نفسياً، وإنَّما عليك أن تبذل جهدك في تخفيف تأثيرها في حالتك النفسية.

تخفيف تأثير الحوادث الأليمة:

فيما يأتي 3 خطوات للتخفيف من أثر الصدمات النفسية المرافقة لإعداد الدورات التدريبية:

1. الاعتراف بوجود مشاعر الحزن وقبولها:

يجب عليك أن تعترف بشعور الحزن المصاحب للتعاطف مع شخص تعرَّض لحادث أليم، فهذه العواطف طبيعية تماماً، لهذا السبب يجب أن تعترف بوجودها وتقبلها كما هي.

2. أخذ استراحة قصيرة:

يمكنك أن تأخذ استراحة قصيرة من العمل لتمارس تمرينات التنفس، أو تخرج للمشي، وتحتسي القهوة مع أحد زملائك، وتتحدث عن موضوعات تبهجك بهدف تصفية ذهنك وتهدئة انفعالاتك، فتساهم الاستراحات القصيرة في الحد من تأزُّم الانفعالات، ومساعدتك على استعادة اتزانك العاطفي والنفسي.

3. إدارة التعرض للمحتوى المأساوي:

يؤدي التعامل مع المحتوى المأساوي باستمرار إلى معاناة الفرد من تداعياته المؤذية على الأمد الطويل، ويمكنك أن تخفف من وطأة الانفعالات العاطفية الناجمة عن التعامل مع الحوادث الأليمة عن طريق تخصيص بعض الوقت بين الحين والآخر للعمل على مشاريع ومهام مختلفة تتعلق بمهارات التواصل، أو تحسين إجراءات توثيق المشاريع على سبيل المثال.

إذا كان عملك يتطلب التعامل مع هذا النوع من المواد التدريبية بشكل يومي، عندئذٍ يجب أن تطلب من الإدارة تأمين الدعم النفسي الذي تحتاج إليه، فيخضع جميع الاختصاصيين والخبراء لجلسات استشارية منتظمة تهدف إلى مساعدتهم على التعامل مع حالتهم العاطفية عند التعرض للمواقف الأليمة؛ لذا يجب عليك أن تحصل على الدعم النفسي الذي تحتاج إليه مثلهم.

دعم فريق العمل:

يجب على المدير تقديم الدعم الذي يحتاج إليه أعضاء الفريق للتعامل مع الموضوعات الصادمة، وفيما يأتي 3 خطوات لدعم أعضاء الفريق:

1. تحضير المحتوى:

أحرص دائماً على الاطلاع على المواد قبل مشاركتها مع باقي أعضاء الفريق حتى أكوِّن فكرة واضحة عن مقدار الأذى العاطفي الذي يمكن أن ينجم عنها.

2. تهيئة أعضاء الفريق:

أحرص دائماً على إجراء جلسة تمهيدية مع أعضاء الفريق المشاركين في المشروع لكي أعطيهم فكرة عامة عن المحتوى بطريقتي الخاصة، وتتيح هذه الجلسات للمدير إمكانية ملاحظة لغة جسد وتعابير وجه أعضاء الفريق وتكوين فكرة عن استجابتهم للمحتوى ومدى تأثرهم به، ويمكنك أن تقدم الموضوع بطريقة تساعد أعضاء الفريق على التعامل مع الانفعالات الناجمة عنه وتخفف من تأثيره فيهم.

3. السماح لأعضاء الفريق بالإفصاح عن مشاعرهم تجاه المحتوى:

أحرص دائماً في نهاية الجلسة التمهيدية على توفير بيئة آمنة تتيح لأعضاء الفريق إمكانية الإفصاح عن شعورهم تجاه المحتوى، والاعتراف بأنَّه صعب عليهم؛ وذلك عن طريق طرح أفكار من قبيل: "إنِّي أتفهم مدى صعوبة التعامل مع مشاريع من هذا النوع، وأقدِّر مشاعركم، فلكم مطلق الحرية في أخذ الاستراحات من العمل عند اقتضاء الضرورة، كما يمكننا أن نخرج لاحتساء القهوة ونتحدث معاً، وإذا شعر أحدكم بأنَّه عاجزٌ عن إكمال العمل في المشروع فليعلمني حتى نعمل معاً على تسوية الأمر.

لقد بكيت على الرجل الذي توفي إثر الحادث الذي تعرض له في الورشة، وتعاطفت مع أصدقائه وزملائه الذين شهدوا الحادثة، ولن أجبركم على مواصلة العمل ولن أضغط عليكم لمعرفة الأسباب الكامنة خلف رغبتكم بالانسحاب من المشروع".

يعرف أعضاء الفريق بهذه الطريقة أنَّك تتفهَّم مدى صعوبة العمل وتقدِّر مشاعرهم، ولن تضغط عليهم بأسئلتك عمَّا يتعرَّضون له خلال العمل، ولا سيَّما عندما يخبرك أحدهم بالأزمات النفسية التي يواجهها كعجزه عن النوم أو شعوره بالحزن عند التعامل مع موضوعات معيَّنة كالعنف المنزلي على سبيل المثال.